اليوم عيد الأضحي المبارك. عيد التضحية والفداء. وعيد المؤتمر الإسلامي الأكبر في كل عام.. أعاده الله عليكم جماعات وأفراداً ووطناً وشعباً وقيادة وجيشاً وأمة بالمزيد من الخير والتقدم والاستقرار. ونأمل أن يأتي عيد الأضحي المقبل ومصرنا أكثر أمناً واستقراراً وسلاماً. ومع التهنئة. عودة لاستكمال حديث الأسبوع الماضي. وخلاصته في عنوانه ان إنقاذ سوريا انقاذ للعرب. فكل مشكلاتنا العربية مترابطة. وتتبادل التأثير والتأثر فيما بينها. ومن نظرة عربية خالصة فإن ما يجري اليوم في فلسطين. ويتركز خاصة حول القدس والأقصي ليس بعيداً عما يجري في سوريا. وفي ليبيا وفي العراق وفي اليمن. ما تشهده هذه البلاد هو الذي ظنه العدو الصهيوني فرصة مواتية لتنفيذ مخططه في القدس الشريف. ولو استطاع اليوم أو غداً فلن يتواني عن هدم الأقصي من أجل حلمه الذي يسميه إعادة بناء الهيكل!. والإسرائيليون لا يخفون أهدافهم. ولا يدارون مخططاتهم التي يسعون إلي وضعها موضع التطبيق. منذ بدء مشروعهم في نهاية القرن التاسع عشر والذي قال ديفيد بن جوريون أحد ثلاثة أسسوا وبنوا الكيان الصهيوني انه: "لو استطعنا الاستعانة بالشيطان سنستعين به" لاحتلال فلسطين وتهويدها. ونحن العرب لم نقرأ أعمال بن جوريون. ومنها كتاب عن محادثاته مع زعماء. لو قرأنا ما كتب هذا الزعيم الصهيوني لعرفنا وتوقعنا ما جري وما يجري وما قد يجري غداً علي يدي الصهاينة لفلسطين وشعبها من أهداف تحددت واتفق عليها يسار الصهيونية مع يمينها. ومنها مقولة بن جوريون المعروفة: لا معني لفلسطين دون القدس. ولا معني للقدس دون الهيكل "أي المسجد الأقصي". ولعل ما يجري للقدس من تهويد وتطويق بالمستوطنات والطرق الالتفافية وهدم المباني العربية بها. وما يجري اليوم من انتهاك للمسجد الأقصي في ظل حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو لا يختلف كثيراً عما حدث ضد الانتفاضة الفلسطينية الأولي علي يدي اسحاق رابين العمالي. الذي وقع اتفاق أوسلو في 1993 تم وصفه في الكنيست بعد أيام من توقيعه بأنه قصاصة من ورق. وهو الوصف نفسه الذي أطلقته زعيمة صهيونية يمينية متطرفة علي مشروع معاهدة 26 مارس 1979 مع مصر. وكان هذا داخل الكنيست أيضاً. خطوتان مصرية وعربية وقبل استكمال الحديث عن القدس والأقصي وأسلوب حمايتهما وتحريرهما. نعود إلي أن "انقاذ سوريا انقاذ للعرب". ونقطة البدء في هذا هي تصفية تنظيمات وجماعات الإرهاب فوق أي شبر من أرض عربية. وعلي رأس هذه القوي وفي مقدمتها قوة "داعش". وتحرير الأرض التي استولت عليها في سورياوالعراق. وإن كانت الأولوية للأرض السورية. خاصة بعد أن وضح لكل من يلقي السمع وهو بصير عدم فاعلية التحالف الدولي الذي تقوده ضد داعش. والذي يقال إنه يضم 60 دولة. تكتفي بضربات جوية لم تحرر شبراً من أرض استولت عليها "داعش". وذلك خلال عام تقريباً. هذا ما أكدته وسائل صحفية وإعلامية ومراكز بحثية. وتعترف بذلك. مثلاً. صحيفة إسرائيلية. وتقول: الأمريكيون يفعلون ما هو الأكثر راحة لهم: "يشنون" هجمات جوية بتكاسل. وتذهب صحيفة إسرائيلية أخري. وهي جميعها ليست معادية لأمريكا. إلي أن خطة التدريب التي أعلنها الرئيس الأمريكي أوباما "لتدريب من يسميهم المعارضين المعتدلين في سوريا!" والتي خصص لها الكونجرس نصف مليار دولار. هذه الخطة "لا تتقدم بتاتاً". وتضيف الصحيفة نفسها: أن ما يجب أن يثير القلق هو الاعتراف بأن الإدارة الأمريكية ليست لديها نظرية حربية ناجحة يمكن استخدامها ضد داعش أو القاعدة. وهذا يعني صراحة ان التحالف الأمريكي لن ينقذ سوريا من الإرهاب ولن يحررها من "داعش". ولاتزال أمريكا وحلفاء عرب وإقليميون يساندون علناً وسراً قوي إرهابية في سوريا بالمال والسلاح والمرتزقة والمدربين. لن ينقذ سوريا من الإرهاب إلا حلف عربي التكوين والأهداف. وفي ضوء التأثير المتبادل بين القاهرةودمشق. واقعاً وتاريخاً. قديماً وحديثاً. فإن ضرب الإرهاب وتقليم أظافره وكسر أنيابه والقضاء عليه في جيب في شبه جزيرة سيناء سيؤثر بالتالي علي مدي قوة وانتشار جماعات الإرهاب في سوريا. ومنها "داعش" نفسها.. وعلي الجماعة نفسها في العراق. وفي مناطق أخري من الوطن العربي. مثل ليبيا واليمن. والخطوة الأولي في هذا التصور ذات شعبتين متكاملتين مصرية وعربية. مصرياً: يجب إعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة مع دمشق والتي قطعها الرئيس الإخواني بقرار طائش خروجاً علي مبادئ الأمن القومي العربي. وعربياً: يجب أن تعود سوريا إلي مقعدها الشرعي في الجامعة العربية الذي انتزع منها أو انتُزعت منه بضغط غير مبرر ولم يعد مقبولاً. هاتان خطوتان تنسجمان وتتكاملان مع اتجاهات برزت في الأفق أخيراً في إطار مساعي إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وهي نهاية. حين تتحقق. سيكون الكيان الصهيوني من أكبر الخاسرين فيها. فقد كان ولايزال من أكبر المستفيدين من وراء ضرب الجيش السوري وتدمير بنية الدولة السورية. ولعل هذا يبدو من مسارعة نتنياهو إلي زيارة موسكو بعد أن وضح موقفها القوي في دعم ومساندة وحماية الدولة السورية ومنعها من الانهيار والسقوط. الذي كانت تتمناه وتترقبه إسرائيل. والتي أسهمت بنصيب كبير في محاولات تحقيقه. ولعل مسعي إسرائيل لتقسيم الأقصي زمنياً ومكانياً. ومشاركة كبار سياسييها ووزرائها في عمليات اقتحام أولي القبلتين والصلاة فيها ليست مقطوعة الصلة بما يجري في سوريا وليبيا واليمن. تضليل صهيوني.. ولكن قبل حوالي أسبوعين. وأثناء زيارته للعاصمة البريطانية لندن. قال نتنياهو: إن الشرق الأوسط يتغير أمام أعيننا. وإن الترتيبات التي استمرت عشرات السنين آخذة في الانهيار. وخلص من ذلك إلي "ان إسرائيل عليها أن تلائم نفسها كي تدافع عن أمنها. ويمكن البدء في تطبيق ذلك في قلب عاصمتها وأساس وجودها". أي القدس. وبلغة فجة. عبر "رؤبين باركو" في "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو عن هذا التضليل الإسرائيلي فادعي: "انه منذ ظهور الحركة الصهيونية. استخدم الفلسطينيون الحرم "القدسي" لتحريض العالم الإسلامي علي الحرب ضد إسرائيل. والآن يحاولون استخدام المسجد الأقصي ذريعة لإلحاق الضرر "بشرعية إسرائيل في القدس" وتحريض المسلمين الذين يذبح بعضهم بعضاً. ضدنا. إلا انه أمام قتل الكثيرين وتدمير المساجد في المنطقة من الصعب علي الفلسطينيين تسويق صيغة "الأقصي في خطر. لا أحد يترك ماكينة الذبح الإسلامية ويتفرغ للأقصي. الجميع يعرفون أن إسرائيل تحافظ وعلي المسجد أفضل من أية دولة عربية أو تنظيم إرهابي". هذا الإفك والافتراء الصهيوني هو ما جناه علينا. علي الإسلام والمسلمين وفلسطين إرهابيو داعش وأمثالها. وكل من يثيرون الحرب بين جماعات إسلامية مثل السنة والشيعة. ولكن هذا التضليل لا يمكن أن يغطي بأية حال علي أعمال وأهداف الصهاينة ضد القدس وضد المقدسات الإسلامية. والمسيحية أيضاً. في فلسطين. وهو ما يجري اليوم تحت سمع العالم وبصره والذي لم يعد الصهاينة يقيمون له اعتباراً. مادام لا يقاوم أهدافهم إلا بكلمات وبيانات لا تحمي حقاً ولا تحرر أرضاً. من أسف ان هذا ما أدمنه العرب والفلسطينيون أيضاً.. واليوم يرون الخطر كل الخطر علي القدس والأقصي فقط. ولا يرون ان الخطر يشمل كل أرض فلسطينية محتلة منذ .1967 صحيح ان القدس والأقصي رمزان مقدسان. ولكن أرضنا كلها مقدسة. لا يجوز التفريط في شبر منها. واليوم. وفي ظل استفحال خطر الاستيطان في القدس والضفة يجب الربط بينهما. فلا يتم تجاهل جزء من أراضي 1967 علي حساب جزء آخر. ولا يجب الوقوف عند حائط المفاوضات فقط. فهي وحدها عاجزة عن استرداد الحقوق إلا إذا استندت إلي مقاومة شعبية مشروعة وإلي كفاح مجيد بدلاً من كلمات الشجب وبيانات الإدانة. وهذا ما أدركه المقدسيون فبدأوا انتفاضتهم الخاصة التي لم تتجاوب مع فلسطين كلها. مع ان صحفيين إسرائيليين يعترفون بوجود هذه الانتفاضة. ويحذرون من هذه الانتفاضة الثالثة ومن عواقب الاعتداءات علي الأقصي. ولعل هذه الحقيقة هي التي عبر عنها بيان الأزهر الشريف الذي نبه إلي انه قد آن الأوان لتجاوز الشجب والإدانة واتخاذ العرب والمسلمين مواقف مشرفة تتناسب وحضارتهم دفاعاً عن المقدسات. وليس بعيداً عن هذا. انه لأول مرة منذ سنوات يرتفع في الشارع العربي في الأردن شعار: "الشعب يريد تحرير فلسطين". انه شعار ليس دون صدي. ولو بعد مائة مائة عام. انهم يرونه بعيداً وأراه قريباً قريباً. مع انفجار الانتفاضة في كل أرض فلسطين الآن.. الآن وليس غداً. واسلمي يا مصر.