أشفق كل الإشفاق علي وزارة الموارد المائية والري.. تماماً كما أشفق علي وزير الموارد المائية والري.. ذلك أن الوزارة وإن كانت كما قلنا آنفاً هي المختصة دستورياً وقانونياً وواقعياً بشئون نهر النيل.. إلا انه ينازعه الاختصاص كثير من الوزارات والعديد من المحافظات.. مما لا أمل معه من تقرير حقيقة أن نهر النيل قد تفرق دمه بين القبائل.. ووزير الموارد المائية والري وهو يجتهد ويجاهد ويعمل ليلاً ونهاراً دون كلل أو ملل في سبيل غزارة التعديات علي النهر المفتري عليه.. وتجفيف منابع تلويثه والحد من الاستخدام الجائر لمياه النيل وفي هذا السبيل صدر القرار الوزاري رقم 376 بتاريخ 28/2/2015 ويقضي بتشكيل لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون النيل الموحد.. وينص القرار الوزاري في مادته الثانية علي أن تقوم اللجنة بإعداد مقترح مشروع قانون النيل الموحد وصياغة التشريعات المطلوبة لتوافق المستجدات الحديثة مع الأخذ في الاعتبار القوانين والتشريعات ذات الصلة.. ولقد كان من رأيي أن يعدل اسم قانون النيل الموحد إلي قانون النيل فقط لاعتبارين: أولهما ان اعداد القانون الموحد يستدعي إلغاء القوانين الحالية والقرارات الجمهورية والوزارية وهي كثيرة يستعصي حصرها كما لا يسهل الدول عنها كلها لتصب جميعها في تشريع موحد يقتضي إنجازه فترة طويلة من الوقت وليست مجرد شهور معدودات والاعتبار الثاني فيما رأيت ان القضايا الملحة التي تتعلق بنهر النيل.. إنقاذه وحمايته.. هي قضايا ثلاث هي: التعديات الصارخة علي نهر النيل والتي تجاوز عددها خمسين ألفاً تأتي في قمتها جريمة الجرائم ألا وهي ردم مساحات من مجري النيل أي تضييق شريان حياة مصر والمصريين والقضية الثانية هي تكاثر واستمرار منابع تلويث نهر النيل بكافة أنواع الملوثات.. الصلبة والسائلة الغازية.. إضافة إلي السلوكيات الفردية المنحرفة مما يسبب الأمراض الخطيرة الفتاكة التي تفتك بجسم الإنسان بل والحيوان وتقضي علي الثروة السمكية وتأتي للبشر بالأمراض الفتاكة المهلكة مثل الفشل الكبدي والكلوي والسرطان وغيرها ومما يكبد الدولة العشرات من المليارات من الجنيهات لمعالجة بعض آثار تلويث مياه نهر النيل والقضية الثالثة هي الإسراف في استخدام المياه واستهلاكها علي نحو جائر.. كل ذلك مما يؤثر في حصتنا المائية المحدودة تأثيراً سيئاً كماً وكيفاً. نعم كان من رأيي أن يقتصر مشروع القانون الجديد علي تناول هذه القضايا الملحة الثلاثة: التعديات والتلويث والإهدار.. وأن تغلظ العقوبات تغليظاً شديداً كي تحقق هدفي الردع والمنع.. وقد وافقني السيد الوزير آنذاك علي ما رأيت.. وعلي أية حال فقد تم إعداد هذا المشروع بقانون ليستقر بين يدي مجلس الوزراء يري فيه ما يشاء.. وأعود للتسأول هل يكفي القانون وحده.. أي قانون لحماية نهر النيل.. والجواب علي نحو قاطع: لا.. ولنضرب علي ذلك مثلاً فبين أيدينا قانون وضع منذ أكثر من ثلاثين عاما وهو القانون رقم 48 لسنة 1982 بشأن حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث.. وهذا القانون يتكون من عشرين مادة فقط ومن شأنه إذا طبق تطبيقاً كاملاً أن يقضي علي منابع تلويث النهر.. وقد نصت المادة 16 منه علي عقوبات "وإن كانت هزيلة" علي من يخالف أحكامه ومع ذلك فإن هذا القانون لم يجد طريقة للتنفيذ رغم عقوباته الهزيلة ومازالت منابع تلويث نهر النيل تتوالي وتتكاثر ويتعاظم خطرها.. إذن ليس بالقانون وحده نحمي نهر النيل وإنما تتحقق الحماية الحقيقية لنهر النيل بإيقاظ الوعي وتنمية هذا الوعي لدي الجماهير ليدركوا حق الإدراك ان نهر النيل هو شريان حياتهم وأن نقطة الماء هي مناط استمرار هذه الحياة واستنفار الضمير وطنياً ودينياً وخلقياً لدي كل أفراد الشعب ليتحول كلاً منهم إلي حارس لشريان حياته يضرب بيد من حديد علي أيدي من يحاول العدوان علي حياته. وذلك ما تهدف إليه الحملة القومية لنشر الثقافة المائية. "والحديث موصول بإذن الله"