يقول الله تعالي: "الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الألباب" سورة البقرة .197 يقول ابن كثير في تفسيره ص239 ج1: موضحا مفهوم "التخلية: "فلا رفث" اي الحجاج. "ولا فسوق" المعاصي والسباب "ولا جدال في الحج" اي لامجادلة في وقت الحج في مناسكه. ولا مخاصمة او اتيان القبح قولا وفعلا. اما "التحلية" فقد حثهم الله علي فعل الجميل واخبرهم انه عالم به وسيجزيهم عليه اوفر الجزاء يوم القيامة "وتزودوا" بالتقوي "الطاعة" وهو زاد الآخرة "يا أولي الألباب" واتقوا عقابي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري يا ذوي العقول والافهام. استمرار الجهد وتحمل المشاق لكونه رحلة متواصلة "بدنيا" والعمل علي مضاعفة اجر النفقة فيه "ماليا". واستدل العلماء علي ذلك بقوله تعالي "وانفقوا في سبيل الله ولاتلقوا بأيديكم إلي التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين" سورة البقرة 195 وقال الرسول: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" رواه احمد. وهذا دليل علي ان النفقة في الحج والعمرة تدخل في جملة النفقة في سبيل الله وهو كذلك "نفسيا" حيث تقيم الفريضة متعة الحياة الروحية بعد فراق الاهل والوطن واجره ان عاد او مات عزاء وسلوي. اما تمام الامر وختامه في عبادة العمر "فريضة الحج": فإن ربنا الاعلي يلخص في هذه الفريضة قصة الدنيا حيث كانت في عرفات مدينة نعمرها نهارا. ولفي المزدلفة "المشعر الحرام"- نري مدينة اخري نعمرها ليلا ولم تكن قائمة "يوم عرفة" ولم تبق في يوم النحر وان الحج ثانيا فريضة يلخص ربنا الرحيم صورة يوم المآب في هوله وخشوعه من كل امة قبيل ومن كل لون فريق.. وحول الكعبة يتفرقون لغة ويتجمعون هدفا تضمهم رحمة الله اذا ازدحموا.. والالسنة لاتحسن التخاطب ولكن القلوب تجيد المناجأة والوجوه لم تتعارف ولت تؤلف بينهم الدموع المزجاة. وعندئذ تجئ في النفوس عقيدة التوحيد: فإلههم واحد ودينهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة وامتهم واحدة وغايتهم واحدة ونشيدهم واحد. كما انه تلتقي "في فريضة الحج" الدنيا بالآخرة حيث يعتبر موسم عبادة مصداقا لقوله تعالي "الحج اشهر معلومات" ويعتبر ايضا موسم تجارة مصداقا لقوله تعالي "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" سورة البقرة 198 والمعني كما جاء في تفسير ابن كثير ص .240 "لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الاحرام وبعده وقال ابن حرير عن ابي صالح مولي عمر قال: قلت: يا أمير المؤمنين كنتم تتجرون في الحج؟ قال وهل كانت معايشهم إلا في الحج" "موقف إسلامية" أ. د/ عبدالعزيز كامل. اذا كان اللقاء بين الشعائر والمواقيت نأخذها عن رسولنا وجاءت من قبله لخليله "إبراهيم عليه السلام".. فإننا نسجل ان الحج بدوره "لقاء" بين الانسان والانسان ولقاء بين الانسان والكون "وهذا البيت" هو اول بيت وضع للناس وهؤلاء اخوة الحجاج قد جاءوا وقد تساقطت عنهم حواجز اللون والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وهزت حجر له كرامته نستلمه ونحن نعلم انه حجر لايضر ولاينفع واحجار اخري نرجمها في "مني" باحجار صغيرة نجمعها من المشعر الحرام وما الذي يميز حجراً عن حجر ليكون هذا مجال تقبيل وهذا مجال رجم؟ وهذا داخل في بناء الكعبة.. وهذا تصوير للشر؟ "مع الرسول والمجتمع" ص56 أ.د/عبدالعزيز كامل. واخيرا وليس آخرا: فإن اخلص ما نسجله "لمدرسة" فريضة الحج: انها بعد ذلك كله صاحبة "الرسالة التربوية الهادفة والبناءة" وبحق وحقيق. وانها تستظل بظلال "قوة الارادة" في مجال التربية القويمة. وظلال التحمل بكل من "الصبر الوقور" من جهة. واستمرار "التكيف والاستقامة من المجتمع" كغرض تربوي اصيل من جهة اخري. وان اكبر عيد يجب ان تبدو فيه الامة المؤمنة مجتمعة متلاقية هو "عيد الحج الاكبر" الذي يمثل المؤتمر الاسلامي الاعظم. حيث تخرج الالوف بعد من مشارق الارض ومغاربها ساعين إلي ربهم ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله في ايام معدودات وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق الذي يحتاج في زيارته إلي طهارة المظهر والمخبر.. والاقبال علي الله بالحس والنفس والعمل والقول. والذكر والفكر. وبالتالي فإن شعائر المسلم منذ احرامه هو نداؤه ودعاؤه. "لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك. لاشريك لك". "سبحان ربك رب العزة عما يصفون.. وسلام علي المرسلين.. والحمد لله رب العالمين".