** الحرب ضد الفساد حرب مقدسة.. لا تستهدف أحداً بعينه بل تستهدف الفاسد والمفسد وما بينهما من مصالح وأهواء.. ومع الإعلان عن قضية الفساد الكبري المتهم فيها وزير الزراعة السابق.. ثارت عدة تساؤلات وشائعات في الشارع المصري.. ولم تزل مثار أحاديث وحوارات لم تتوقف. وإذا كان مصدر قضائي لم نحدد هويته قد نفي وجود تسعة وزراء في قضية الفساد الكبري وأن الوزير الوحيد في القضية هو المحبوس احتياطياً الآن.. فإن هذا النفي يعني أن شائعات طاردت تسعة وزراء قد يكونون جميعا أو بعضهم شرفاء.. بل إن البعض بدأ يلمزهم فعلا علي أساس أن النفي عادة يكون إثباتاً.. كما حدث مع وزير الزراعة عندما نفي مصدر مسئول لم يكن قضائياً هذه المرة أن يكون الوزير متهماً أو تشوبه شائبة ثم كان الزلزال الذي هز الحكومة كلها بعد ذلك. قضايا الفساد والمفسدين والمصالح الحرام تستوجب أن نطرح عدة نقاط أساسية ليت المشرع أو صاحب القرار يهتم بها. أولاً : الشفافية والوضوح والحسم يجب أن تكون سمات أي قضية فساد وأن تعلن التفاصيل بكل وضوح علي الرأي العام حتي لا يكون هناك مجال لشائعة أو أقاويل مرسلة. ثانياً: الحرب ضد الفساد ليست وليدة اللحظة ولا سمة من سمات مرحلة ما.. وعندما يتم القبض علي وزير متهم بالفساد أكرر متهم وليس فاسداً حتي الآن لأنه لا يمكن اتهام إنسان بالفساد إلا بحكم محكمة.. وعندما يتم اتهام وزير أو مسئول كبير بالفساد فهذا يحسب لنظام الحكم ولا يحسب عليه كما يحاول البعض أن يثير الشبهات سواء عن قصد أو جهل. الفاسد مسئول عن فساده وليس النظام مادام النظام لم يتستر عليه ولم يتعامل معه إلا بالعدالة والقانون.. واعتقد أن نظام الحكم الآن ضد الفساد أياً كان شكله أو وسيلته ولن يتستر علي فاسد أبداً.. ولعل القبض علي وزير بعد إقالته مباشرة لأكبر دليل علي ذلك. ثالثاً: استغلال ما حدث للتشهير ببعض الوزراء والمسئولين مرفوض مرفوض حتي لو كان أحدهم أو بعضهم عليه ملاحظات.. فمن يملك دليلاً أو مستنداً عليه أن يتوجه إلي أجهزة القضاء والرقابة ومكافحة الفساد فوراً.. وسترحب به تلك الأجهزة وتستمع إليه وتدرس الأدلة والمستندات.. أما أن يخرج أحدهم ويدعي علي وزير أو مسئول إدعاءات ظالمة بلا دليل أو مستند حقيقي أو من خلال اتهامات مرسلة.. فهذا ليس عدلاً ولا حرباً ضد الفساد.. بل إنه الفساد بعينه لأنه أحياناً يكون شكلاً من أشكال الابتزاز. رابعاً: الوزير أو المسئول الذي يتهمه أحد بالفساد ولا يتوجه مباشرة إلي جهات التحقيق والنيابة ليطالب بالتحقيق الفوري في هذه الإدعاءات ومحاسبة من يتهمه حساباً عادلاً يكون ظالماً لنفسه وللمجتمع وللعدالة وللحق الذي هو صفة من صفات الله سبحانه وتعالي واسماً من أسمائه الحسني. خامساً : استغل البعض هذه الهوجة في الحرب المقدسة ضد الفساد ليعلن حرباً ظالمة ضد بعض الكبار أو لتصفية حسابات معهم بحجة أنه يمتلك شبهات ضده مثل ما حدث مع وزير التعليم العالي الذي استثني اثنين أحدهما ابن شهيد والآخر له ظروف خاصة جداً.. فأصبح متهماً بمحاباة الكبار.. في ظل حرب منظمة ضده وكأنه متهم بأنه جاء من جامعة إقليمية ليكون وزيراً للتعليم العالي.. وتلك جريمة من وجهة نظر بعض كبار الجامعات. الحرب الممنهجة ضد بعض الوزراء والمسئولين لأهداف ليس منها الحرب ضد الفساد بل هي فساد منظم ضد هذا المسئول أو غيره. سادساً: من وجوه الفساد أيضا وليس من أوجه محاربة الفساد أن تسمح بعض الأجهزة الإعلامية لبعض صغار كبار الموظفين للانتقام من مسئول كبير أو وزير انتقاماً لنفسه وليس من أجل الحق.. فيكيل الاتهامات ظلماً هنا وهناك باسم حرية النقد.. وهي كلمة حق يراد بها باطل.. لأن توجيه الاتهاملات ولي ذراع الحقيقة ليعطي دليلاً مغشوشاً عن فساد وما هو بفساد من أجل الانتقام أو لمجرد الإساءة لمسئول.. هو شكل آخر من أشكال الفساد الممنهج وأعتقد أنه بات مطلوباً التحقيق السريع والعادل في قضايا الفساد لإظهار الحقيقة وكذلك التحقيق السريع والعاجل في أي بلاغ ضد إنسان اتهم شريفاً بالظلم لأن التحقيق السريع والعادل يبرئ ساحة مظلوم ويكشف عورات الظالمين والفاسدين. سابعاً: مع احترامي الكامل لكل الأجهزة الرقابية وأولها الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية والنيابة بكل أفرعها.. فهي أجهزة محترمة تسعي للحق ولكنها ليست جهة حكم بات ونهائي.. لأن القاضي في المحكمة هو المسئول والمنوط به إصدار الأحكام فعندما نعتبر ما ذكره تقرير هنا أو تقرير هناك بأنه حكم علي إنسان بالفساد أو الظلم فهذا أيضا وجه من أوجه الظلم والفساد وإفساد العمل لأنه سيخلق أيدي مرتعشة تخشي مثل هذه التقارير.. كما تخلق موظفين تابعين لهذه الأجهزة وكأنهم يقومون بدور المرشد أو المخبر في مكان عمله.. مما يخلق أجواء فاسدة في أماكن العمل. ولابد أن نتفق علي أن تقارير الاتهام ليست حكماً.. ولا يمكن أن نقول عن وزير الزراعة مثلاً أنه فاسد بل نقول إنه متهم بالفساد وإلا فماذا يمكن أن يحدث لو حدث مثلاً والله أعلم أن برأت المحكمة ساحته؟ ماذا يحدث لو أن متهماً في مثل هذه التقارير صدر حكم عادل نهائي من قاض عادل أو كانت غير مكتملة وعندما اكتملت كانت دليلاً علي براءته.. وقد حدث ذلك فعلاً لبعض المسئولين من قبل.. فهل تكفي أموال الدنيا تعويضاً لهذا المسئول وأسرته.. عن اتهامات ظالمة بالفساد؟ ثامناً: بات ضرورياً صدور قانون السماح بتداول المعلومات.. لأن هذا القانون لن يترك فرصة لتداول الشائعات والأقوال المغرضة والمرسلة.. بل إن من يفعل ذلك يكون متهماً ويعاقب بالقانون عقاباً سريعاً لأنه بأسلوبه الخطأ يكون فاسداً..!! تاسعاً: الفساد الإداري أسوأ وأخطر أحياناً من الفساد المالي.. لأن الفساد المالي أحياناً يكون شكلاً واحداً من أشكال الفساد الإداري.. ومن هنا فإن بداية الحرب ضد الفساد لابد أن تكون تجاه الفساد الإداري..!! الفساد الإداري يبدأ من صغار الموظفين الذين يعطلون مصالح الناس بحثاً عن إكرامية أو رشوة حتي أصبحت الإكراميات والرشوة هي الأساس.. والفساد الإداري أيضا من كبار وصغار الموظفين الذين يحصلون علي ما ليس لهم بحق ويحصلون علي أموال ومكتسبات لا حق لهم فيها.. ومن الفساد الإداري أن يكون القانون حمال أوجه فنطبق وجهاً علي أفراد.. والوجه الآخر علي أفراد آخرين.. وبذلك نترك للأهواء والمصالح الشخصية ساحة الفساد مفتوحة.. ومن الفساد الإداري تلك اللوائح والقرارات المنظمة والمنفذة للقانون وتكون مكتوبة علي الهوي والمزاج الشخصي وتكون مليئة بالثغرات التي تتيح لمن يريد أن يفعل ما يريد.. فتري الأزمات تكال بألف مكيال والحلول للمشكلة الواحدة حلول متناقضة ومتباينة. الفساد الإداري أخطر وأعمق من الفساد المالي وهو أساس كل فساد في الدولة وعلينا أن نواجهه بسرعة وحزم.