رحم الله عميد الأدب العربي طه حسين صاحب الدعوة الخالدة "التعليم كالماء والهواء" إذ لم يعد التعليم كالماء والهواء عنصرا الحياة الرئيسيان. وذلك لأن الدولة المصرية حولته التعليم إلي سلعة يحصل عليها من يستطيع دفع الثمن. فبعد مرور أقل من مائة عام علي دعوة أحد أهم دعاة التنوير في العصر الحديث صار التعليم الذي يعد عماد المجتمع ورافعة نهضته خرابة ينعق فيها اليوم. وبدت محاربة الأمية التي تعد خط الدفاع الأول عن التعليم والتنوير مستنقعاً يغطي ما يزيد عن ثلث مساحة العقل المصري. لقد اصبح التعليم في بلدنا ماء آسنا وهواء مسموما يتنفسه المجتمع جبرا واختيارا. حيث تحول التعليم بكل مراحله إلي مفرخة ممتدة للتطرف والانحطاط الاخلاقي والجهل. فكيف هنا علي أنفسنا وهان علينا مستقبل أبنائنا إلي هذا الحد؟ لقد بدأ موسم الامتحانات نهاية العام منذ ما يزيد علي أسبوعين في أجواء تؤكد أن التربية في بلدنا وهم وأن منظومة التعليم مغشوشة بامتياز في أكبر عملية نصب وخداع وتدليس علي النفس يمارسها شعب ضد ماضيه ومستقبل اجياله القادمة ببلاهة منقطعة النظير. ولم تتوان جميع مؤسسات الدولة ووزراؤها لعدة عقود عن المشاركة في عملية الخداع والتضليل يتقدمهم وزراء التعليم والتعليم العالي وجميع وسائل الإعلام من الميديا المقروءة والمسموعة والبرامج التعليمية المتخلفة بصفحات مسودة بالشروح المختصرة والاسئلة المتوقعة والإجابات النموذجية والحقيقة أن سرادق عزاء العملية التعليمية يقام يوميا في مقار لجان الامتحان سواء في المدارس أو الجامعات بالصراخ والعويل ويتوسط مراسم العزاء آلاف المتلبسين بالغش الفردي والجماعي بفعل التواطؤ احيانا وبماكينات وأدوات الغش المعاصرة إما تحت تهديد السلاح أو تحت ضغوط معطي ثقافي عفن يبرره دينيا وأخلاقيا. ويعقبها تتطاير التقارير الصحفية والمتلفزة والشكاوي من صعوبة الامتحانات وخروجها عن المقررات ويرد الوزير علي الهجوم بنسب سياسية عالية لتصحيح العينات في عملية هزلية بامتياز. أبهذه الطريقة تنهض الشعوب؟ وعندما ينتهي عزاء فقيد التعليم الغالي بصحبة قيم التربية يخرج علينا وزير التعليم مبتسما ابتسامة بلهاء مزيفة ليعلن اسماء أوائل الناجحين وسط حفاوة بالغة بمجاميع فلكية لا صلة لها بالواقع الذي يتواري خجلا من زغاريد المخدوعين وورود وهدايا المهنئين في مجتمع لا يريد مواجهة النفس ويتهرب من النظر إلي سوآته في المرآة. فعلي أي شيء نفرح ونهلل ولماذا تلك الهدايا؟ ولأي مصير يذهب هؤلاء الطلاب؟ هل علي ما طالعتنا به الصحف والمواقع الاخبارية منذ بضعة أيام عن حادث مأساوي تنفطر له القلوب ويتصدع له البناء الاخلاقي للمجتمع. حادث تنتفض له فرائص دول تعرف قدر المسئولية وتتحمل تبعات تقصيرها في بناء الفرد الصالح المنتج رغم ذلك لم يستوقف هذا الحدث الجلل احدا لمناقشة هذه الظاهرة المتفشية بصور مريعة. والمجتمع إما غائب أو مغيب بتفاهات وسفاسف وبرامج تسطيح العقل وتبني قيماً سلبية التهمت حاسة الشعور بالخطر لدي المجتمع في ظروف غامضة ونتساءل: هل هذه هي المرة الأولي لتلك العناوين الصادمة محاولة اغتصاب معلمة جماعيا بسبب رفضها السماح لطلابها بالغش في امتحان النقل بإحدي مدارس الجيزة؟ فإذا كان طلاب في مرحلة النقل لا تتجاوز أعمارهم خمسة عشر عاما يفعلون هذه الجريمة النكراء في وضح النهار وعلي سلم المدرسة؟ تري ماذا يفعل هؤلاء الطلاب في المراحل اللاحقة في الثانوية والجامعة؟ وأي مستقبل ينتظر هؤلاء الغشاشين؟ طبيب يعالج أم يقتل؟ ومهندس يبني أم يهدم؟ ومعلم يربي متطرفين وإرهابيين. هل هذا هو المجتمع الصالح ياولاة الأمر!!! وباستكمال العناوين تطالعنا الصحف هذه الأيام ب 1061 حالة غش بامتحانات الجامعات وتسريب امتحان الثانوية الأزهرية ثم تسريب اللغة العربية في امتحانات الثانوية العامة علي مواقع التواصل الاجتماعي أليس هذا العرض مستمرا منذ بضع عقود؟ وإذا كانت ذاكرتنا تدمن تجاهل أحداث الغش والبلطجة وتسريب امتحانات في امتحانات الشهادات في الأعوام السابقة فعناوين الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن ما نحصده اليوم ثمرة مرة لما زرعته أيدينا بالأمس وقبل الأمس. أليس هذا نتاج ثقافة مجتمع يتعامل مع عوراته الاجتماعية بازدواجية وتهرب واستهتار. أيها المسئولون: لقد بدأ امتحان شهادة الثانوية العامة بضجيج إعلامي متكرر والسلاح الأبيض والناري الذي استخدم لتسهيل الغش في الأعوام السابقة بمدن الصعيد والدلتا وفي لجان أصبحت مشهورة تطورت أدواته ووسائله وأصبح الكترونيا فاضحا. وسيكون اكثر ضراوة هذا العام والأعوام القادمة إذا لم نكن قد أعددنا العدة لعلاج هذا العوار الاجتماعي باساليب علمية تعالج جذور المشكلة وليس تقليم اطراف أظافرها مؤقتا. فالمطلوب علاج المرض لا علاج العرض إعلاميا إبراء للذمم. لأن المراقبين ورؤساء اللجان صاروا الآن بين خيارين إذا لم تقبل الوزارة اعتذارهم عن المراقبة خصوصا في المدن والقري والأحياء الشعبية البعيدة عن صخب الإعلام. فليس أمامهم إلا أن يقبلوا الغش ويتواطئوا مع الطلاب وذويهم حماية لأنفسهم أو أن يتوقعوا مصيرا مجهولا بالإهانة والإصابة أو التصفية الجسدية. فوزارة التعليم لا تمتلك أدوات حماية معلميها ولن تستطيع تعوض المصابين او القتلي منهم بسبب ضعف منظومة الردع العام وتهالكها أمام ثقافة تغلغلت في كيان المجتمع. وعليها ان تتحمل تبعات تقاعسها عن أداء دورها في مراقبة المعلم والطالب تربويا وتعليميا. ففي الوقت الذي يعجز فيه المجتمع عن مقاومة الظواهر الاجتماعية المدمرة للكيانة كالدروس الخصوصية والغش الجماعي فالسيادة للعقول البليدة والعزائم الخائرة.