منذ أن قامت ثورة 25 يناير. ونحن نسمع دعوات كثيرة لتنظيم "مليونيات" في ميدان التحرير. مع أن ميدان التحرير لا يتسع أبدا لمليون مواطن.. ومعظم المليونيات التي سمعنا عنها لم يشارك فيها إلا بضعة آلاف! وكان للعديد من هذه المليونيات أهداف معقولة. ومليونيات التحرير التي استمرت بعد تولي محمد مرسي الرئاسة كانت سببا أساسيا في سقوط الإخوان لأنها كانت تعبيرا عن الرفض الشعبي لهم. ولكن بعد المليونيات بدأت تدخل في نطاق اللامعقول. مثل المليونية التي دعا إليها أحد المزايدين من أجل التوجه لميدان التحرير وخلع الحجاب. وهي المليونية التي انتهت كما انتهي صاحبها لأنها لم تكن إلا نوعا من البحث عن الشهرة وانعكاس لفهم خاطيء لمعني تجديد الخطاب الديني. وتأتينا الآن دعوة أخري من أحد الإعلاميين بالفضائيات. وما أكثر ما يأتينا الآن من عجائب وغرائب منها.. والدعوة تطالبنا بأن نذهب في 30 يونيه إلي ميدان التحرير في مليونية "بوس جماعي" لأرض مصر تأكيدا علي حب الوطن والانتماء للأرض. وردا علي "الواد" اللي خرج من مصر لأمريكا بعد الإفراج عنه. وقام بتقبيل أرض المطار الأمريكي فور وصوله لماما أمريكا! وبدلا من ضياع الوقت في مليونيات من هذا النوع أو في اثبات حب الوطن بتقبيل الأرض. فلتكن هناك دعوات جادة إعلامية أهم لإعادة بناء مصر.. دعوات تبرز وتحيي وتنوه بكل الجهود التي تبذل لعلاج المشكلات المزمنة والمستعصية.. ودعوات لإحتواء وتشجيع الشباب علي أن يكون حجر الزاوية في عملية البناء. وأن يتحمل الطريق الصعب في مرحلة التحول الانتقالية التي تتطلب قدرات وعزيمة مختلفة. ان مصر تنهض من الداخل. ولكن المواطن العادي لا يشعر بذلك لأنه وببساطة لا يوجد إعلام حقيقي يشرح له ماذا يتم وماذا يجري من مشروعات.. وما هو العائد الذي سيحصل عليه منها. *** ولا أحد يجب أن يتحدث نيابة عن الرئيس. والرئيس ليس له إعلامي معين يتحدث باسم مؤسسة الرئاسة. وما يدلي به البعض من الاعلاميين هو نوع من الاجتهادات ومحاولة اضفاء الأهمية علي أنفسهم بالادعاء بقربهم من صانع القرار. ولا يحتاج الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي وفود شعبية أو فنية تدعمه أثناء زياراته الخارجية أو حتي تتصدي للإخوان في الخارج. فرئيس جمهورية مصر العربية من القوة والمكانة التي تجبر مختلف الدول التي يقوم بزيارتها علي أن تتعامل معه من هذا المنطلق حرصا علي علاقتها بمصر التي تمثل الدولة المحورية والركيزة الاستراتيجية في المنطقة مهما كانت المشاكل أو العقبات التي تواجهها. ان الرئيس الذي يقوم بجهد خارق من أجل عبور المرحلة الصعبة في حاجة إلي مستشارين من نوع خاص يساهمون في تدعيم واستمرار الالتفاف الشعبي الجارف حول الرئيس. وهو الالتفاف الذي يمثل أكبر مصدر قوة ودعم له. بعيدا عن بعض المستشارين والجهات التي تتحرك بأساليب وأفكار لا تأتي إلا بنتائج مغايرة وغير مفيدة. *** ونعود لقضايانا الداخلية ذات الطابع الخاص الغريب والعجيب والمثير..! فدكتورة في كلية الإعلام جامعة القاهرة كانت تقوم بمراقبة الامتحان في احدي اللجان وكانت تتحدث بصوت مرتفع يؤثر علي تركيز الطلاب أثناء الامتحان. وتجرأت طالبة لتطلب منها خفض صوتها حتي تستطيع أن تستجمع أفكارها للاجابات السليمة. وبدلا من أن تضرب الدكتورة مثالا في الاحترام. وتعتذر عن ارتفاع صوتها. فإنها قامت باستدعاء عدد من الموظفين وأفراد الأمن. ومنعوا الطالبة من استكمال الاجابة علي الاسئلة وتمت احالتها أيضا إلي الشئون القانونية! والواقعة التي نشرتها إحدي الصحف علي هذا النحو ان ثبت صحتها فإنها لا تدين الطالبة بقدر ما توضح سلوكا تعسفيا مؤلما من أستاذة جامعية كان عليها أن تتحلي بقدر أكبر من التسامح وتفهم أجواء وظروف الامتحانات وأن تدرك أيضا أن الصوت المرتفع هو آفة مصرية علينا جميعا أن نتخلص منها.. فنحن لا نتكلم وإنما "بنتخانق"! *** وهناك درس أهم علينا أن نتعلمه ونستوعبه من تجربة السيدة ياسمين النرش التي أهانت ضابط المطار والموجودة بالسجن حاليا حيث تتم محاكمتها. فالسيدة ياسمين من أكابر الأكابر. مال وجاه ونعيم وحياة هنا وهناك.. ولا ينقصها شيء والحياة عندها ربيع في ربيع. لكن السيدة ياسمين وفي يوم لن تنساه أبدا.. فقدت أعصابها واعتدت علي ضابط شرطة وتفوهت بألفاظ لا تصدر عن سيدة من المجتمع المخملي واعتقدت أنها فوق القانون وفوق كل السلطات أيضا! وكانت لحظات ضاع فيها صوت العقل وغاب عنها الوعي والادراك وانتهي بها المطاف إلي فضيحة علي مواقع التواصل الاجتماعي واحتجاز بسجن النساء وتشهير علي كل المستويات. ودرس النرش يعيد إلي الأذهان المثل والحكمة القديمة التي تقول "لسانك حصانك.. ان هنته هانك.. وان صنته صانك" ولسان النرش أهانها.. ولم يصنها!