قادتني الصدفة للتعرف علي فتاتين كفيفتين تجمعهما العديد من الصفات غير كف البصر في مقدمتها انهما ولدتا مبصرتين وعاشتا سنوات وهما مبصرتان مثل أي فتاة عادية. فالأولي فقدت بصرها وهي في العاشرة من عمرها نتيجة إصابتها بمرض في عينيها وتم تشخيص المرض في حينها بأنه رمد حبيبي ووصف لها الاطباء علاجاً خاطئاً تسبب في تدهور حالتها وطاف والدها علي أطباء العيون فواحد يصف علاجاً جديداً فتتناوله وآخر يطلب جراحة عاجلة فيوافق الوالد املا في الشفاء حتي أجريت لها 7 عمليات جراحية وكانت النتيجة فقدان البصر تماما. لم يمنعها كف البصر من مواصلة تعليمها الجامعي والتحقت بوظيفة اخصائية اجتماعية في مدرسة إعدادية بالقرية التي تقيم بها. الفتاة الثانية عاشت حياتها مبصرة حتي بلغت 22 عاما وكانت وقتها طالبة بالسنة النهائية بكلية الآداب وفي الليلة الموعودة ذهبت مع أسرتها لحضور فرح أحد أقاربها وكعادة أهل الريف يتم إطلاق الرصاص تعبيرا عن الفرح والسرور لتخرج طلقة وتستقر في جبين الفتاة فتكون النتيجة تصفية العينين لتفقد بصرها في التو واللحظة. استكملت الفتاة تعليمها الجامعي والتحقت بوظيفة مشرفة علي الصحافة المدرسية بقريتها. لفت نظري في هاتين الفتاتين وهما الآن علي مشارف الثلاثين من عمرهما مدي توافقهما النفسي مع المجتمع المحيط بهما وتفائلهما بالمستقبل وطموحهما في تحقيق نجاحات وإنجازات في وظائفهما البسيطة فكل منهما تسعي لإعداد رسالة الماجستير وتحلم بتكوين أسرة جديدة مع شريك العمر ويتصور انه كفيف مثلهما لأن كما يقولون يمكن للرجل الكفيف أن يتزوج مبصرة وليس العكس وان كانت هناك حالات قليلة لكفيفة تتزوج من مبصر. ليست هذه المرة الأولي التي اقترب فيها من عالم الكفيفات بل علي العكس فطبيعة عملي بالصحافة جعلتني اتعرف علي معظم فئات مصر ممن كف بصرهن معرفة جيدة من الاطفال وحتي كبار الكاتبات والمشاهير ممن فقدن بصرهن وكان انطباعي عن معظمهن انهن يتسمن بخفة الظل واطلاق النكات عمن كف بصره ولكل منهمن فلسفته الخاصة به في الحياة. أما هاتان الفتاتان فلاحظت انهما اكثر تفائلا وطموحا من الفتيات والشباب بشكل عام ممن في نفس العمر فما أن تجلس وسط الشباب من مختلف المستويات الاجتماعية والمادية ألا وتشعر بمدي الاحباط واليأس الذي يخيم علي حياتهماً رغم انهماً يملكان كل مقومات النجاح ولكنها حكمة السماء عندما تحرم إنساناً من نعمة تهبة نعماً عديدة لا يراها ولا يشعر بها سواهم.