** عندما نتحدث عن الإيمان.. يمتد جسر الحوار إلي الأخلاق الكريمة.. كشرط أساسي يكتمل به الإيمان.. وكقيمة مضيئة.. اعتنت بها الأديان السماوية.. جميعاً.. وأضافها الإسلام إلي الأركان الخمس.. التي يشترط علي المسلم أداءها.. ولكنه يدخل مظلة الإيمان.. بسلسلة من السلوكيات الأخلاقية.. المدرجة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.. وسلوكيات القدوة من المرضي عليهم بإذن الله.. علي مر عصور الحضارة.. وكذا تجارب الحكماء.. وأقوال الفلاسفة.. إنها ثروة كبري.. ورصيد ضخم لا ينفد.. لا يستطيع أحد مهما كان الإلمام بكل جزئياته ودواخله.. ولكن من رحمة الله سبحانه وتعالي أن فتح باب الأخلاقيات لجميع البشر.. بتكاليف متدرجة.. يجمعها التصدي للخطأ.. كما جاء في الحديث الشريف.. "من رأي منكم منكراً.. فليغيره بيده.. فإن لم يستطع بلسانه.. وإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان".. والمعني واضح في رفض الممارسات السيئة.. الضارة بالفرد والمجتمع.. سواء كانت فعلاً.. أو رد فعل.. وإذا لم يملك المرء وسيلة المواجهة.. فعليه واجب النصيحة والتوضيح.. حتي لا يزداد من يقوم بهذا السلوك الخطأ مضياً إلي الخطر.. وفي النهاية يبقي رفض النفس الأبية.. والقلب النقي لهذه الأفعال والأعمال.. أو المظاهر والحوادث المنافية للأخلاق. ** لقد بنيت الأمم والحضارات جميعاً.. علي الأخلاق الكريمة.. لأنها بناء وانجاز.. ورفض وابتعاد عن التطرف والتدمير والترويع والإرهاب.. ومهمة العظماء بين قومهم.. تركزت دائماً.. علي الخلق العظيم.. وكما كان الرسول صلي الله عليه وسلم.. هذا الإنسان الأمين.. الكريم.. الشجاع.. ناصر الحق.. المدافع عن المظلوم.. الحاكم بالعدل.. تجمعت فيه سجايا جميلة.. أجملها الخالق سبحانه.. في طباعه.. "إنك لعلي خلق عظيم".. هذه السجايا انتقلت جلها أو معظمها إلي صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم.. وخلفائه الراشدين.. وظلت كمجري النهر المتدفق في نفوس نخبة من البشر.. اختصهم الله سبحانه وتعالي بقضاء حوائج الناس.. والدفاع عنهم.. وقيادتهم إلي خير أنفسهم وأوطانهم.. واعتمد الجميع دون شك.. وثيقة كاملة من الأخلاق الكريمة ضمت سجايا الزعماء والقادة والأبطال.. وأيدهم الله بنصره في المعارك التي خاضوها.. وخلفهم شعوبهم ضد البغي والعدوان.. وبقيت سيرهم منهلاً إضافياً يدعم السلوكيات الأخلاقية.. التي تزداد تألقاً وأهمية في مواجهة الظروف الصعبة.. والمناخ غير الصحي.. والأطماع الهادفة لتدمير الاستقرار.. ونسف الأمن والإيمان. ** الأخلاق الكريمة.. لا ترتبط بثروة أو غني.. أو فقير.. بل سجاياها رصيد في القلب.. يتكون من أداء هذه المهام.. من قبل الوالدين والأسرة والمدرسة والمجتمع.. ثم تتوالي الدوائر لتتسع لكل ما يمكن الاحاطة به من العالم.. ونجاحها ليس في امتحانات صيفية أو شتوية.. ولكن في سلوك يومي حقيقي.. وليس مجرد متشدق بكلمات ضخمة الصدي.. خاوية المعني.. يعجز المقام عن حصرها جميعاً.. ولكننا إذا ما نظرنا حولنا.. لاستنبطنا الابتكار والشهامة.. والسعي لنشر الخبر.. والصدق والتكاتف عند الأزمات.. فعل الخير ما أمكن للإنسان أن يفعل.. دون أن يحدد حجمه أو مقياسه.. إغاثة الملهوف.. مساعدة الفقراء والمساكين.. انصاف الحق.. عدم استغلال الغير.. الأمانة.. عدم الخداع.. استغلال الظروف القاسية لتحقيق مكسب ما.. إيصال الرحم والاطمئنان علي الجيران.. وبعض هذه القيم الأخلاقية لخصها الأجداد في تراثنا الثقافي.. بكلمات سهلة معبرة.. مثل عبارة عيش وملح.. ومئات الأمثال الشعبية.. التي عاشت في ضمير الأجيال. ** إذا كانت الأخلاق قد توارت بعض الشيء.. بتبرير.. يتهم طغيان المادة.. وإهمال الحضارة للنواحي المعنوية والروحانية.. إلا أنها كامنة مستعدة للعودة والظهور.. سواء من خلال تعويد الأبناء عليها في المجتمع المدرسي "باعتباره أساس البناء التربوي للأبناء" أو كلمة طيبة.. وتخرج من قلبك إلي شخص آخر يكون في حاجة إليها.. أو العفو عند المقدرة.. وأن تفعل يدك اليمني الخير بدون ان تعرف اليد اليسري.. المهم التعود علي فعل الخير.. باعتباره مفتاح الأخلاق الكريمة.. لأنه ليس صعباً.. ان يعود ما نتحدث عنه من أخلاقيات الناس زمان.. وفي مقدمتهم الشهامة الصدق.. وإغاثة المحتاج.. إلخ.. لأننا نملك ذلك في ذاكرتنا.. ويحتاج إلي إشارة منا للانطلاق. ** وربما بسبب ظروف المجتمع ومعتقداته الحالية.. نستطيع إقران الأخلاق الكريمة بالسلوك المجتمعي التطوعي.. سواء من جمعيات المجتمع المدني المهمومة بأحوال وشئون المحتاجين والفقراء.. والحريصين علي توفير فرص عمل للشباب.. وكذلك رجال الأعمال أصحاب الأصول الطيبة الذين ارتبطت أسماؤهم بإنشاء العديد من المؤسسات المجتمعية.. كالمستشفيات ودور الرعاية بل والمدارس والجامعات تحتاج فقط إلي إنعاش ذاكرة الخير.. في عقولنا.. ولا أقول هنا كلاما جديدا.. بل أتذكر فقط معكم.. ما بناه وصنعه الأجداد.