عبس الحظ في وجهه وكشر. ولازمه البؤس والشقاء طوال العمر.. وعاني ويلات الحرمان وشرب المر وتعجب في قصائده من هذا الأمر.. فتضاعف البؤس أكثر وأكثر.. وكان حلم والده أن يكون أحد علماء الأزهر . * الشاعر عبدالحميد الديب 1898- 1943 من مواليد كمشيش- تلا- المنوفية.. في يوليه 1898- وتوفي في 30 أبريل 1943 بالقاهرة. نشأ في أسرة فقيرة. والده قليل المال كثير العيال. ارتدي الملابس القديمة حتي في أيام العيد.. أرسله والده إلي الكتّاب وحفظ القرآن الكريم.. والتحق بمعهد الاسكندرية الديني 1914. وبالأزهر سنة 1920. وتركه إلي مدرسة دار العلوم لأنها أقرب إلي مواهبه الأدبية وملكاته الشعرية. وكانت تصرف لطلابها مكافأة شهرية. قرأ دواوين شعراء العربية. المتنبي وابن الرومي وأبي العلاء المعري وأبي نواس. توفي والده ثم والدته وعاش من بعدهما حياة الفقر والحرمان والضياع. وجد عبدالحميد الديب شيئا من التكريم بعد وفاته. أطلق اسمه علي الشوارع في المدن المصرية. منها شارع الساحل وشارع بالاسكندرية.. بكي الديب من فقره وسوء أحواله. فأضحك الناس. وتناقل الناس قصائده ونوادره. وتناولت مجموعة من الكتب شعره وسيرة حياته.. منها: الشاعر عبدالحميد الديب- عبدالرحمن عثمان- دار المعارف .1968 مأساة شاعر البؤس: محمد محمود رضوان- دار الهلال- فبراير .1976 الفكاهة في الأدب: أحمد محمد الحوفي. من ظرفاء القرن العشرين: هاني الخير. قادته قدماه إلي حي بولاق وجلس علي أحد المقاهي. ووجد شخصا يردد مقطعا من أغنية ولا يضيف إليه شيئا.. والله تستاهل يا قلبي. اقترب منه وقال له: من الأفضل أن تقول: والله تستاهل يا قلبي ليه تميل ما كنت خالي أنت أسباب كل كربي أنت أسباب ما جرالي. فعانقه الرجل وكأنه وجد ما كان يبحث عنه وقال له: أنا سيد درويش. أغدق عليه فنان الشعب وعاش إلي جواره في رغد من العيش. لكن سيد درويش مات بعد قليل في 10 سبتمبر 1923. عندما ذهب لاستقبال سعد زغلول العائد من المنفي.. وعاد الديب إلي حياة الفقر والحرمان. قال عن نفسه: أذله الدهر.. لا مال ولا سكن فتي تزيد علي أنفاسه المحن إذا سعي فجميع الأرض قبلته وإذا أقام فلا أهل ولا وطن وصف الديب حجرته البائسة الخالية من الأثاث. استأجرها بثمانين قرشا في الشهر. وكان سداد الإيجار محنته الكبري. وكانت وسادته حجرا مغطي ببعض أوراق الصحف: أفي حجرتي يا رب.. أم في لحدي ألا شد ما ألقي من الزمن الوغد لكم كنت أرجو حجرة فأصبتها بناء قديم العهد أضيق من جلدي تراني بها كل الأثاث فمعطفي فراش نومي ووقاني من البرد تساكنني بها الأفاعي جريئة في جوها الأمراض تفتك أو تعدي أري النمل يخشي الناس إلا بأرضها فأرجله أمضي من الصارم الهندي تحملت فيها صبر أيوب في الضنا وذقت هزال الجوع أكثر من غاندي * والصارم: السيف البتار. والمهاتما غاندي هو زعيم الهند الذي طالب باستقلالها عن بريطانيا. وغزل ثوبه بمغزله وشرب لبن عنزته. وقاطع البضائع البريطانية. والمهاتما تعني الروح العظيم. طالب سائق سيارة أجرة عبدالحميد الديب بمبلغ 20 قرشاً قيمة ما أحصاه العداد. فأعطاه عشرة قروش فقط. وقال: عليك مثل ما علي فأنت تركب معي. ودخل مطعماً وطلب دجاجة وأرزًا وكل ما اشتهته نفسه. ثم أخرج مطواة خطيرة أخذ ينظف بها أسنانه. وقال لصاحب المطعم: لعلك لا تعلم ما جري لصاحب مطعم السيدة زينب. طالبني بمبلغ عشرة قروش ثمناً لوجبة تشبه ما أكلت اليوم. فقطعت أذنيه وأجبرته علي أكلها. فماذا تريد؟ قال الرجل قرشاً واحداً. فأعطاه قرشين وقال: الآخر "بقشيش" دخل الديب السجن ومستشفي الأمراض العقلية بسبب المخدرات وفيها كتب يقول: رعاك الله مارستان مصر فإنك دار عقل لا جنون حويت الصابرين علي البلايا ومن نزلوا علي حكم السنين وكم في مصر من عز غبي تمتع بالجميل وبالثمين والمارستان أو الموريستان. كما ينطقها العامة هي "بيمارستان" كلمة فارسية من مقطعين. "بيمار" أي مريض. و"ستان" أي مكان. ومجمل معناها المستشفي. رحم الله عبدالحميد الديب شاعر البؤس والشقاء.