عندما فجر العلامة الكبير جلال أمين قضية ¢عصر الجماهير الغفيرة¢ في الكتاب الذي حمل الاسم نفسه. كانت تقديراته كلها مبنية فقط علي برامج التوك شو وبدء مشاركة المواطن العادي في الإسهام برأي عبر الفضائيات. وأظنه سيعيد النظر كثيرا بعدما حولت مواقع التواصل الاجتماعي أغلب شعوب العالم العربي لخبراء يفتون في كل شيء بدءا من الفن والرياضة مرورا بالسياسة ونهاية بالعلوم العسكرية المعقدة. تابع: أي تدوينة علي موقع الفيس بوك أو تغريدة علي توتر. وارصد كم المعلومات المغلوطة التي يتم تسريبها بجهل غالبا وبدهاء أحيانا. وشاهد كيف تنتشر هذه الأكاذيب لتصبح حقائق خلال دقائق معدودة. لدرجة أن بعض النشطاء المعنيين ¢بدقة المعلومات¢ أسسوا العشرات من الصفحات والمواقع لكشف حقيقة الصور المفبركة. والرد علي التصريحات الكاذبة. وتقويم المعلومات التاريخية والعسكرية المضللة. وهذا كله لا يكفي. ولكن الدعوات لمراقبة الانترنت وخطط حظر بعض صفحات المواقع ليست مجدية أيضا. فقد اثبت التاريخ القريب في المملكة العربية السعودية أن التكنولوجيا قادرة علي تخطي كل الموانع. وأفعال الحظر والمنع لا تجدي. وحتي لو انقطعت خدمة الانترنت بالكامل ففي الطريق بدائل لها قد تتيح التواصل العالمي مجانا. فاللعبة باتت أكبر من قدرة أي بلد علي مواجهتها. هل هذا يعني أنه لا سبيل لوقف كل هذا الكذب؟ بالطبع لا .. هناك سبل عديدة أهمها الارتقاء بالتعليم المصري. وزيادة الوعي عبر الفضائيات المصرية. ونشر العشرات من المواقع المهتمة بتصحيح المحتوي المعلوماتي لأشهر الصفحات. وأخيرا تفعيل قوانين النشر الورقي. لردع كل من تسول له نفسه نشر أو ترويج أكاذيب تضر بالأمن القومي للبلاد أو تؤجج مشاعر الفتنة والكراهية. القانون وحده يكفي. ولكن السؤال الذي يشغل كل من يطرح العدالة كبديل للفوضي هو .. هل مازالت ثقتنا في مؤسسات العدالة العربية كافية لنستظل بمظلتها؟ هل القوانين العربية وخاصة فيما يتعلق بحريات النشر والتعبير والبحث العلمي قادرة علي مجاراة الواقع؟ هل مواد القانون ¢المطاطة¢ تضمن عدالة ناجزة للجميع؟ وهل المؤسسات المكلفة بتطبيق العدالة تملك القدرات والامكانات البشرية اللازمة؟ الاجابات أنتم تعرفونها أكثر مني .. وحتي تنهض مؤسسات العدالة العربية من عثرتها فلن يجد المسئول حلا بيده الا المنع والحظر .. وهو لا يجدي أمام طوفان ¢الجماهير الغفيرة¢