كنت قد تحدثت في المقال السابق عن سنن الله تعالي في الكون وهي القوانين التي تحكم تسير هذا الكون وفي عالمنا وكان أولها هو قانون الأخذ بالأسباب. أما اليوم سنتحدث عن نوع آخر من سنن الله في خلقه وهو الاجتهاد. والمقصود هنا الاجتهاد بصفة عامة سواء اجتهاد في الدين أو الدنيا أو في العمل أو اجتهاد في الأعمال الصالحة للبشرية. يقول الله تعالي في كتابه الكريم "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" سورة الكهف آية 30 وقوله تعالي "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان" سورة الرحمن آية 60 ويقول الرسول صلي الله عليه وسلم في حديث عن عائشة رضي الله عنها "إن الله تعالي يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" وتوضح الآيات الكريمة هنا أن الجزاء من جنس العمل والحديث يوضح أهمية إتقان العمل فما جزاء من يتقن عمله ويحبه الله تعالي فهل يضيع أجره؟ بالطبع لا. ومن المعروف حضاريا أن قيمة العمل والاجتهاد من أهم وأعظم القيم التي قامت عليها الشعوب وكانت سببا من أسباب التطور والتقدم والاجتهاد وسعت نحوها أكثر من رفع الشعارات أو تعللت بالأعذار تفضيلا للكسل والخمول فلا مكان للمتكاسلين في هذه الشعوب..بل الحياة الكريمة والمزدهرة هي لهؤلاء الذين اجتهدوا في حياتهم وأخلصوا لأعمالهم ووطنهم فليس المهم لدي هؤلاء كم سيتقاضي؟ أو أنه سيتقاضي أجره آخر الشهر سواء عمل أو لم يعمل. سواء اجتهد أو لم يجتهد بل المهم لدي هؤلاء هو الأمانة والإخلاص في العمل والذي بالطبع سيعود عليه وعلي الوطن بالنفع المادي والمعنوي أيضا فالفارق كبير بين فئة تعمل وتجتهد فترتقي بحياتها ومجتمعها وبالتالي وطنها وبين فئة تتعلل بالأسباب وتنظر للخلف. هناك أدلة كثيرة علي ذلك فبالنظر لمصر عندما تولي محمد علي باشا الحكم كانت دولة فقيرة وبدون جيش وبدون اقتصاد عالمي وكانت في يد حفنة من المماليك ينهبون خيراتها ولكن بعد الاجتهاد في العمل بجد في كل المجالات وكلنا نعلم ذلك تحولت مصر لدولة عظمي في عشرون عاما ولنا أن نفخر بأن اليابان أرسلت بعثات للتدريب عندنا والاستفادة من تجربة محمد علي. إذا البداية حتي ولو كانت صغيرة فسنة الله في خلقه بالاجتهاد ستتحقق النتائج والنجاحات الكبيرة. وكذلك ألمانياواليابان بعد الحرب العالمية الثانية بدأت بمستوي أقل منا بكثير وببنية تحتية مدمرة وكلنا نعلم ذلك. ولكن الفيصل هنا وأهم شيء هو الاجتهاد وليس العمل فقط وذلك في البدايات الصغيرة فما بالنا بالمشاريع الكبيرة التي تم التعاقد عليها في المؤتمر الاقتصادي الناجح في شرم الشيخ. فبإذن الله تعالي نجتهد ونستمر فالأهم من الاجتهاد هو الاستمرار في الاجتهاد فالقليل مع العمل الجاد والاجتهاد والرؤية الصحية حتما سيصبح كثيرا وباستثمار الإمكانات التي لدينا يحتاج إلي بذل الجهد والتخلي بالعلم والمعرفة وعدم الارتكان إلي السلبية. وأنا هنا أقول لكل فرد اعمل وابدا حتي لو كانت البداية بسيطة أو صغيرة فسيأتي اليوم الذي فيه سنحصد جميعا بكثرة ولكن علينا أن نتذكر أن نعمل دون ملل بأمانة واجتهاد أن نعمل دون استجال النتائج وان نعمل بحب حتي نحب ما نعمل وأن نعمل وكأن الله الرقيب هو الذي سيجازي الأمانة والاجتهاد وليس صاحب العمل وأن نعمل ونطور من أنفسنا باستمرار ونصقل مهاراتنا وخبراتنا بالعلم والمعرفة دائما فلا سقف لهذه الأمور. أن نعمل دون النظر إلي الكسالي والمحيطين وأصوات الفشل من المحيطين بنا أن نعمل كل في مكانه وليس في مكان غيره فعندها سترتقي حياتنا ووطننا ونسير في طريق النهضة والرقي لمصرنا الحبيبة مصدرة العلم والحضارات.