الغش اسوأ ما يتصف به إنسان.. كان هذا موضوعي الذي عرضته علي رئيس التحرير في بداية حياتي الصحفية فأعجب بالفكرة واختار لها عنوانا: "ناس بألف وش". وطلب تضمين قماشة الموضوع محاورة كبار رجال الأعمال والإعلاميين والعلماء وأساتذة الجامعة والطب النفسي. للأسف أكد الجميع انتشار هذا المرض في المجتمعات العربية والإسلامية لانهيار منظومة التعليم وغياب الأخلاق في تعاملاتنا حتي أن الغش في الامتحانات بالمدارس والجامعات اصبح له تقنيات وصور كثيرة مما يؤدي في النهاية إلي صناعة أجيال من الفاسدين. والموظف أو المهني الذي نجح بالغش في دراسته سيستحل المال العام ويمارس الكسب غير المشروع والتزوير ويقبل الرشوة ويحارب الاكفاء والمميزين في عمله. والاخطر إذا كان طبيبا فقد يتسبب في عذاب المريض وأسرته. أما إذا كان من رجال الأعمال فقد يتحول إلي الأب الروحي لعصابات المخدرات والسلاح ومنهم من يتخذ الجمعيات الخيرية والمهرجانات الفنية ستارا لأعماله الإجرامية. ومما زاد الأمر سواء ما نراه من انتشار الخداع والنفاق في وسائل الإعلام بعد غياب المهنية والحرفية وأصبح شعار بعضهم مصلحة رجال الأعمال الأهم وباستخدام الكلمة سلاحا ضد الوطن. أما العلاقات الأسرية فقد غاب عنها الحب وزاد معدل العنف والخيانات بين الأزواج لفساد القلوب وشراهة البطون والغضب وسوء الظن بالآخرين. في الأسواق انتشر الخداع تقوده مصانع بير السلم وخير دليل علي ما تعانيه بلادنا من مصائب. ووصل الإجرام إلي صناعة الدواء أيضا. واستغلال المستشفيات الخاصة للحالات الحرجة. في النهاية سألت دكتورة في الطب النفسي بإحدي الجامعات عن علاج الغش والخداع والخيانة فأجابت: هذه الأمراض وراثية وتزيدها بيئة المجتمع انتشارا وتلازم اصحابها في القبور. وحكت لي قصة طائر "الوقواق" أخبث الطيور لأنه المستغل ذكاءه ولؤمه علي حساب الطيور الأخري.. حيث تقوم الانثي بوضع بيضة واحدة في عش طائر آخر وسط بيض الطائر المسكين. وغالبا ما تفقس هذه البيضة قبل بيض الطائر المخدوع فيقوم الفرخ الصغير بدحرجة بيض الطائر الاصلي صاحب العش وإلقائها خارجا ليكون كل الغذاء من نصيبه. وعندما يكبر يستولي علي عش الأبوين المخدوعين! * كن شريفا هل نتأمل نصيحة المفكر الكبير عباس محمود العقاد يقول: كن شريفا أمينا لا لأن الناس يستحقون الشرف. بل لأنك أنت لا تستحق الضعة والخيانة. احذر لسانك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول: "إن العبد يتكلم بالكلمة ما يتبين فيها. يزل بها في النار. أبعد ما بين المشرق والمغرب".