تجديد الخطاب الديني.. مصطلح غير منضبط.. لأن الخطاب الديني لا يجدد. فالخطاب الديني له "مضمون وله مدار وله أسس وضوابط". أصل الخطاب الديني : هو ما أرسل به الله سبحانه وتعالي رسله وأنبياءه صلي الله عليهم وسلم ليبلغوه إلي أقوامهم عن رب العزة سبحانه وتعالي. والذي وضع أسس وضوابط الخطاب الديني سيدنا نوح أول الرسل أولو العزم الخمسة العظام "قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً. فلم يزدهم دعائي إلا فرارا. وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ثم إني دعوتهم جهارا. ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً. فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً. ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطوارا" "5 14: نوح". هذه هي أسس وضوابط الخطاب الديني "الإلحاح في الدعوة الترغيب الترهيب" وعلي هذه الأسس والضوابط الثلاث سار جميع الرسل والأنبياء في خطابهم الديني مع أقوامهم. ولكن نظراً لاختلاف الأقوام بعضهم عن بعض. فكان كل رسول أو نبي "يطور أسلوب خطابه الديني" مع قومه بما يتفق مع أحوالهم. وهذا نجده في كتاب الله تعالي: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" "4: إبراهيم". فكان كل رسول أو نبي يخاطب قومه بلسانهم "لغتهم" بما يتفق مع أحوالهم "العقائدية الاجتماعية الأخلاقية السلوكية وكافة أحوالهم العامة والخاصة" بما يوافق ويواكب حال المخاطب فما كان سيدنا لوط يخاطب قومه "لا تنقصوا المكيال والميزان" لأنه لم يكن فيهم وما كان سيدنا شعيب يخاطب قومه "أتاتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم" لأنه لم يكن فيهم. وهكذا كان كل نبي مع خصائله علي أصل الخطاب الديني لتوحيد الله تعالي يطور خطابه الديني بما يتفق مع جميع أحوال قومه. صلي الله عليهم وسلم جميعا. فمصطلح "تجديد الخطاب الديني" غير منضبط ولا يتفق مع أسس وثوابت وضوابط الخطاب الديني الحق. الذي أرسل به رب العالمين رسله وأنبياءه جميعاً فالتزموا به. لأن التجديد لأي أمر أو أي شيء يعني تغييره بالكلية أو تغيير بعض معالمه بحيث يبدو بصورة غير صورته الحقيقية. وأنا هنا أضرب مثلاً لبيان أن لفظ "تجديد" للخطاب الديني. يعني "تبديد الخطاب الديني" فلو أراد رجل أن يجدد أثاث بيته. فأحد الأمرين "1" إما أن يقوم باستبدال أثاث بيته القديم بأثاث جديد "2" وإما أن يقوم بتغيير معالم الأثاث القديم بتنجيد أثاث الغرف "النوم السفرة الصالون.. باقي الغرف وتغيير ألوان أخشابها". فيصير الأثاث له بصورة غير صورته الأصلية التي كان عليها. هذا هو التجديد بصورتيه المتعارف عليهما. وهكذا الدين : إذا أردنا تجديده. إما أن نأتي بدين جديد غير ما جاء به رسول الله اللهم صل وسلم وبارك عليه. وهذا ما يحدث في كثير من الدول الإسلامية اليوم. وهنا تحضرني مقولة الشيخ محمد عبده "وجدت هناك في أوروبا إسلاما بلا مسلمين.. ووجدت هناك مسلمين بلا إسلام" وإما أن نغير ونبدل في أصول وثوابت دين الله تعالي. وفقا "لحوار الأديان تقارب الحضارات المودة المدنية التقدم حرية الرأي التشبه بغير المسلمين" وما إلي ذلك من مسميات ما أنزل الله بها من سلطان. إذا فمصطلح "تجديد الخطاب الديني" مصطلح غير منضبط يؤدي إلي ضياع ثوابت وأصول وضوابط الدين الحق. ولكن المصطلح المنضبط. والذي يحافظ علي ثوابت وأصول الدين. هو ما كان عليه جميع الرسل والأنبياء. "تطوير الخطاب الديني بما يتفق مع حال المخاطب". والخطاب الديني في الإسلام له أسس وضوابط خاصة به لأنه ليس محدداً بقوم ولا بزمان كما في الرسالات السابقة. فرسول الله اللهم صلي وسلم وبارك عليه بعث للناس جميعا. "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا".