حالة.. أغلقت الكتاب بعد أول صفحة.. وكثيرا ما أغادر كتابا إلي الأبد بسبب الإهداء. وعندي فيه حاسة سادسة أو ملكة خاصة.. فأشعر أن هذا أهدي زوجته ليسكتها عن أن كتابه بأمله يحكي تفاصيل انثي غيرها.. بالتأكيد. وهذا يهدي كاتبا أكبر ليحظي منه بكلمتين سينشرهم ويبيع وذاك للأم ليس إجلالا ولكن تحت بند سيحترمونني إن فعلت والأخضر إهداء لمسئول كبير..ولا أحد يبقي كبيرا بالمنصب. نحن فقط من نصغر إن تبعناه. ورحلة الإهداءات بدأت بالملوك والحكام.. وكانت تتم تحت ضغط الأمر أو الحاجة. وخرج منها من أراد باللجوء للأم والزوجة والصديق. وعن الأصدقاء يذكرني هذا البيت "ومازال الهوي طفلا علي أعوامي الستين" حيث رد علي الشاعر صديقه في إهداء "دلني يا صديقي عمن استطاع أن يمنحك مراهقة الستين لأهديه كتابي" أما الاهداء الذي مازال عالقا بذهني فكان علي كتاب لبرتراند راسل"إلي كل أوغاد العالم.. لعنة كبيرة". ذكريات وبعيدا عن الأوغاد ستختبيء خلف ذكريات.. لنتذكر.. ونقلب في كومة أوراق ماض.. وإهداءات كانت تأتينا وبجانبها قلوب ملونة.. كأقلامنا التي كانت حمراء وخضراء.. و"باكتب لك بالمقلوب علامة "حب القلوب". و"بريحة الليمون باحبك بجنون" وعلمنا أهلنا في زماننا انه من الأدب ألا نلتفت ولا نكترث.. فنفذنا مع ورقات زميل صغير وضعها في شنطة المدرسة وعلي مقعد خشبي وفي كشكول محاضرات الجامعة سمعنا الكلام.. مزقنا الأوراق بكبرياء وعزة نفس..ولأننا لم نكن مطيعين كل الطاعة فقد قرأناها فكسرت نفسنا الذكري.. وظللنا مهما مرت السنوات.. يعيش القلب بالمقلوب.. يرتع في ذكريات. شنب ومع لعبة دوخيني يا ليمونة.. نلف حول نفسنا بفستان يتسع لدنيا بأسرها. وضفيرة تلف مع خصلاتها براءة وحلم بحب لم ينبت له.. شنب. ويبقي النبت والزرع والثمرات ذكريات.. تقتلنا حنينا.. وتحيينا شوقا وتنزعنا من دنيا نحياها لتردينا قتلي ماض.. مكتوب عليه التحول لحاضر. وأسأل نفسي ما كل هذا الكلام عن الذكريات.. ربما هو سؤال طبيبي حين سألني ماذا تأكلين.. فقلت آكل ذكريات. فهذه الأنفلونزا اللعينة جبن تأتي تفقدك حاستين تذوق وشم ولا تبقي لك إلا ذكري طعم كان علي لسانك ورائحة كانت تفتح نفسك. فتأكل مجرد ذكري. وها أنا أري البرتقالة أمامي وحين أضعها في فمي فهي لا تفرق عن قطعة اسفنج تعصر ماءها علي لساني.. أحاول شمها لأثق انها مازالت هي البرتقالة فلا أعثر علي أي أثر لناتج أشجار موالح. صدقت فيروز حين غنت "مش كاين هيك تكون" فقالت "كان غير شكل الزيتون كان غير شكل الليمون.. كان أوسع ها الصالون كان اشرح ها البلكون وحتي أنت يا حبيبي كان حبك أد الكون". انها أغنية تحولت لحقيقة.. كله عديم الطعم والرائحة.. والفوز للماء أخذها من قصيره. لا لون ولا طعم ولا رائحة واكتفي بتميزه كماء صرح بحقيقته من البداية فقدرناه. لا أحد يتعلم درس الماء أصل الحياة. اكشف عن حقيقتك تكتب السلامة.. لمن يشربك والله يجازي الانفلونزا.. قلبت المواجع. يا حبيبة ثلاث قبلات علي جبيني في ليلة عيد الأم.. وعيون أولادي تحاوطني تكاد ترسم لي معالم حلم جميل. شعرت كأني في صوبة من حنان. سدوا منافذ سقوط الدموع.. هزوا فرحتي بقوة تمنع دبيب الذكريات. أولادي فعلوا كل شيء لإسعادي. قفلوا راديو السيارة حتي لا أسمع "ست الحبايب". ولفوا من الشارع الذي يرتفع فيه الميكرفون بصوت فايزة أحمد تقول "يارب يخليكي يا أمي" كتبوا كلمة أمي بماسات تبرق أحاطوا بها رقبتي.. ففرح قلبي ثم وقعت عيني عليها سقطت دمعة لمعت فوق الماس كان عندي.. أم.