ليست المرة الأولي ولا الأخيرة التي سأعلن فيها تألمي من غياب الرحمة في بلدنا ومجتمعنا. نعم بهذا التعميم ورغم استثناءات نادرة تأتي كمفاجأة إغاثة في وسط غابة أو علي قمة جبل ثلج نحن غارقون في القسوة. طبعاً لن أتكلم عن مجتمعات ترسخت فيها القسوة بشكل أعنف كإيران والعراق وبعض الدول العربية الأخري. أتكلم عن مصر.. عن معني تجاهل شابات بأبدان سليمة ظاهرياً علي الأقل لحق مسنة أو مرضع أو من تحمل طفلاً أو المعاق والمعاقة في الجلوس في أماكنهم المخصصة لهم بموجب ملصقات داخل عربات المترو سواء الخاصة بالنساء أو بالرجال يتجاهل الجميع تلك الملصقات سواء المخالف المخالفة للقانون أو المعتدي عليهم.. ونعم أي تنبيه علي ملصق وضعته الحكومة في مكان عام يتجاوز الرجاء إلي الإلزام والالتزام لأنه "حق" ومن يتنازل عنه حرجاً من المطالبة به يغضبني أكثر من المعتدي! نحن مازلنا وسنظل لأجيال طالما لم نحقق أهداف ثوريتنا بعد "كما أخبرتهن في عربة السيدات" نخجل من المطالبة بحقوقنا أو النظر بعيون واثقة متحدية في عيون غاصبينا. تكتفي المسنات والحوامل خاصة من الطبقات الشعبية ممن يقفن لساعات دون أن تنهض لهن شابة بهز الرأس وقول "معلهش ربنا يدينا الصحة" أو تعلق أخريات يشاهدن الموقف "مفيش ذوق" كأن الحق تقلص ليصبح مجرد "ذوق" وأريحية متروكة لتربية الآخر وحسن تقديره فإن لم يكن فلا بأس من التحمل والسماح بالغلظ!.. وهذا من فريق المتعاطفين أو بعض المعتدي علي حقهن في الجلوس. وهناك بالمقابل من تظل تحدق في وجهك وأنت تكلم الهواء نفسه من استيائك من القسوة بوصفك من المجانين الخارجين من فيلم "اسماعيل ياسين في مستشفي المجانين" رغم انك تطلب من الناس احترام القانون وتذكر كلمة الرحمة ولا تطلب لنفسك مقعدا أبداً ولو كنت تموت اعياء ولم تنم وتحمل جبالا من الكتب والمشتروات. مشكلة ثقافة الخجل من المطالبة بالحق مقابل العدوانية والصلف في الثقافة المعاكسة أي ثقافة انتزاعه المستمر وعدم الخجل من سلب غيرك حقه بكل استهانة وتعود فاسد كونها تندمج تكرار الخطأ من القدوة "الأم أو الأب مثلاً أمام الأطفال المشاهدين ليبقي الحق الوحيد بكل سخرية هو "الحق في العدوان" وان كسر القانون هو الصحيح في الغابة حيث "تاخد حق غيرك بدراعك"! خاصة لو كان غيرك من طبقة اجتماعية أدني. هكذا يكون مستحقاً ومعتاداً علي هذا التحقير والقمع والمصادرة لحقوقه وإنسانيته. تنفق الأمهات الكثير علي تعليم أولادهن والدروس الخصوصية. إلخ وفي لحظة يلقين أمامهم علي قضبان المترو علبة مشروب فارغة أو يجلسن مكان الحوامل والمسنات فيهدمن كل شيء يعتقدن انهن وفرنه للأبناء. أما من قلن لي في المترو "محدش حيسمع الكلام وينفذ لما نطلب حقنا" فردي عليهن كما كان في المترو ودائما "اطلبي حقك ودحرجي الذنب علي متجاهله" أرجوكم لقد قمنا بثورتين لأجل حقوق الإنسان فلا تعودوا للخرس!