بدأنا الأسبوع الماضي استعراض كتاب "المسيحيون والقومية المصرية في العصر الحديث" لمؤلفه د.زاهر رياض "دكتوراه في التاريخ الإسلامي- جامعة القاهرة" الصادر عن دار الثقافة في 1978 وهي فترة زمنية مرت خلال مصر بما عكر صفو وحدتها الوطنية الراسخة. بعد الحديث عن فترة الحكم العثماني نتناول زمن الحملة الفرنسية وموقف المسيحيين المصريين منها حيث يري المؤلف إن الثلاث سنوات التي قضتها الحملة في مصر "أثمن لدينا من القرون الأربعة الطوال التي مكثها العثمانيون في مصر" موضحاً أنها علمتنا دروساً قيمة منها اننا عرفنا القيمة الحقيقية للأتراك والمماليك الذي يستأسدون علينا وهم أجبن من الأرانب وأن قيمتهم الحربية لا تساوي جندياً واحداً من الجنود الأوروبيين وعلمتنا حق الشعب في أن يقف في وجه الحاكم وأن يكون قوياً وان في استطاعته ان يزلزل الأرض من تحته حتي يحقق له ما يريد كما علمتنا ان بلدنا شيء تتكالب الدول علي امتلاكه وانها تستحق ان نثور للدفاع عنها. ثم يضيف "والأثمن من هذا كله انها دفعت بأقباط مصر لأن يظهروا قوميتهم الغافلة فيتقدمون الصوف كي يصرخوا في اخواتهم ان الوقت حان لأن يفكوا هذا الطلسم عن عيونهم فيسعوا نحو الاستقلال التام بعيدين عن تركيا وغير تركيا وان ولاءهم للخليفة أو لأمير المؤمنين لن يغني عن استقلالهم المفقود شيئاً وان رابطتهم الإسلامية لا تعني خضوعهم للأجانب وأن كانوا مسلمين كما لا تعني عداءهم لاخوانهم في الوطن وان كانوا مسيحيين فالدين لله والوطن للجميع". وبعد استعراض موقف مسيحيي مصر عبر التاريخ التي تدلل علي وطنيتهمم وتمسكهم بالقومية المصرية يصل إلي فترة الحروب الصليبية تلك الحروب الاستعمارية التي ارتدت عباءة الدين "إلا أن مسيحيي مصر لم تأخذهم النعرة الديبية الكاذبة بل وقفوا من المسيحيين الأوروبيين موقف العداء الصريح". في محاولتهم تنظيم شئون مصر إنشأ الفرنسيون مجلسا "الديوان" يتكون من بعض مشايخ الأزهر وبعض الفرنسيينن وكان يقدم المشورة للحاكم العام الفرنسي وهي خطوة تدل علي رغبة الفرنسيين في اشراك المصريين في الحكم وان كان ذلك في نطاق ضيق وبطريقة معتلة إذ لم يكن الديوان يملك حق المعارضة كما أنه لم يكن ممثلاً لجميع طوائف السكان فلم يكن لغير المسلمين ممثلون فيه ثم تكون الديوان الصغير من 12 عضوا نصفهم من المسيحيين برئاسة المعلم ملطي ليكون بمثابة محكمة في أمور التجارة والمواريث وإدارة للشهر العقاري. ويقول المؤلف "من الطبيعي أن الفرنسيين لم يلجأوا إلي المسيحيين من أجل انصافهم ولا ابعدوا الكنيسة عن أمور السياسة قبل ذلك بسنوات ولكنهم لجأوا إليهم لما سمعوه عنهم وتبينونه من مهارة وكفاءة فيهم إضافة لمعرفة بعضهم باللغة الفرنسية". ثم يفسر المؤلف اخلاص بعض الأقباط للحكم الفرنسي موضحاً انه حينما جاء الأتراك من الخارج غزاة ليقضوا علي مصر المستقلة لم يجدوا من أهل البلاد أو من الأقباط خاصة المعاونة التي لإقاما العرب عند فتحهم البلاد قبل ذلك بتسعة قرون رغم ما لا قوه من قسوة تحت الحكم المملوكي ولذا قاسي الأقباط من الحكم التركي كما قاسي غيرهم وان كان نصيبهم من مساوئ هذا العهد أكثر من غيرهم. وان كان التاريخ يذكر تعاون بعض مسيحييي مصر مع الحملة الفرنسية كما تعاون معها بعض مشايخ الأزهر فان المثل الأوضح هو المعلم يعقوب حنا ويفسر المؤلف موقفه بأنه تطلع إلي تحقيق استقلال مصر عن كل نفوذ أجنبي "ترك أو فرنسي أو إنجليزي" موضحاً انه ظل يسعي لأجل انجاح هذا المشروع رغم عدم تقديت مواطنيه له واستمرار بعض المؤرخين المعاصرين في وصفه بالخائن. ويضيف المؤلف مدافعاً عن المعلم يعقوب أنه "أول من استيقظ من المصريين واستغل الفرنسيين أحسن استغلال كي يضمن مساعدتهم استقلال بلده" ويتابع وجدير بمصر المعاصرة ان تعرف لهذا المصري مكاننته فتقيم له تمثالاً في أوسع ميادين القاهرة وتكتب علي قاعدته "أول من نادي باستقلال مصر في العصر الحديث". ويدلل علي ما يقول بنجاح المعلم يعقوب في استغلال علاقته بالفرنسية لمنع استعمال العنف في جباية الضرائب من المصريين بل انه نجح في جعل الفرنسيين يحترمون المصريين ومنع أخذهم رهائن من أجل تحصيل المال ثم عندما جاء وقت رحيل الحملة الفرنسية فسافر معها علي رأس وفد مصري إلي أوروبا ليقنع حكومتي إنجلترا وفرنسا بالموافقة علي استقلال مصر بعيدة عن كل نفوذ أجنبي مدركاً ان مصر المستقلة بضمان إنجلترا وفرنسا "القوي العالمية الكبري وقتها" أقدر علي خدمة العالم والسلام من مصر المحتلة الضعيفة.