مازالت اللغة العربية سفيرنا إلي العالم العربي بل والعالم كله عبر الكتاب المصري وعبر الأغنية المصرية فصحي وعامية والفيلم السينمائي المصري والمسرحية المصرية والشركة المصرية والمقاول المصري والعامل والمهندس المصري. تقول الناقدة الفنية ماجدة حليم تتباهي السينما البريطانية بممثليها الكبار ليس من حيث الأداء التمثيلي فحسب ولكن من حيث نطق اللغة الانجليزية السليمة والاعتزاز بها. وفي فرنسا هناك اهتمام شديد ومكثف بالاحتفاظ باللغة الفرنسية السليمة وعدم تداخل الألفاظ الأمريكية مع الفرنسية وقد صدر قرار بعدم استخدام أي لغة متداخلة مع الفرنسية في الأعمال الفنية. والسينما الأمريكية تتباهي عليهم جميعاً بلغتها الأمريكية المختلطة من كافة الجنسيات. أما عندنا فلم يعد للغة العربية وجود وليس لها هذا الاحترام كما يفعل الفرنسيون والانجليز فقد ظهرت لغة جديدة هي لغة السينما والمسرح واستخدمت ألفاظ معينة لجذب نوعية الجمهور الذي تثقل جيوبه الأموال. ولذلك يقيم له منتجو السينما المصرية الليالي الملاح باستخدام لغة هذا الجمهور البعيدة جداً عن اللغة العربية أو العامية المحترمة. إن قراءة مثل هذه الأخبار عن اعتزاز بلاد أوروبية بلغتها حتي لا يأخذها طوفان اللغة الأمريكية يصيب الإنسان بالخجل لقد نسي الجميع أن عندنا لغة جميلة أصيلة وكان يصح أن نعتز بها ونقدرها لماذا مثلاً يكتب علي شاشة قناة فضائية "دلوقتي" بدلاً من "الآن". واللغة في عالمنا المعاصر وهو جوهر القومية يكاد نفوذها يطغي علي رابطة الدين وإلا فما الذي يدفع الأكراد المسلمون السنة إلي محاربة الأتراك المسلمين ومحاولة الانفصال عنهم وماذا يدفع البربر في الجزائر لتأكيد هويتهم ولغتهم وثفافتهم وما الذي يدفع كل دولة أوروبية إلي الاعتزاز بلغتها رغم أنها جميعاً تنتمي إلي الحضارة الغربية المسيحية. واللغة العبرية كانت ميتة أحياها اليهود المحدثون وصارت لغة حية تدرس في كل جامعات ومعاهد العالم ولها إذاعات ومطبوعات وترجمت إسرائيل كل العلوم إلي العبرية. ولا نعجب إذا قلنا إن عدد برامج الكمبيوتر باللغة العبرية يفوق عددها بالعربية ونحن اثنان وعشرون دولة لغتها الرسمية هي اللغة العربية الشريفة ومازلنا نجادل بعضنا بعضاً هل ندرس الطب بالعربية مثل سوريا أم بالانجليزية مثل مصر. يقول المفكر الفرنسي "لوي ماسينون" في كتابه المؤلفات الصغري: إن الشعوبية المتزمتة شعوبية دولة إسرائيل الجديدة لا تؤمن بشيء قدر إيمانها بلغتها العبرية وأن مدارسها الأولية تعلم العبرية وفقاً للاعراب العبري التقليدي المنقول عن اللغة العربية ووفقاً للأبجدية القديمة. ويقول: اللغة العربية لغة وعي ولغة شهادة وينبغي إنقاذها سليمة بأي ثمن للتأثير في اللغة الدولية المستقبلية واللغة العربية بوجه خاص هي شهادة دولية يرجع تاريخها إلي ثلاثة عشر قرناً "14 قرناً الآن". يقول الكاتب الصحفي الراحل أحمد بهجت عن الباحث العربي أنطوان زحلان: "لم يكن التطور في القاعدة العلمية العربية كمياً فقط بل كيفياً كذلك. وبالمقارنة بين الانتاجين العلميين العربي والإسرائيلي نجد أن الإنتاج العربي سنة 1967 كان يعادل 41% من إنتاج إسرائيل وبعد عشر سنوات لم تتغير النسبة ولكن خلال الفترة بين سنة 80 وسنة 1990 تغيرت النسبة ونشر العلماء العرب 753.43 بحثاً مقابل 821.75 بحثاً للعلماء الإسرائيليين أي بنسبة 7.57% وهو تطور ملموس بكل المقاييس". أضيف من عندي أنه بطيء ولا يواكب التطور العالمي ومرة أخري أقول نقارن علماء اثنين وعشرين دولة بعلماء دولة إسرائيل. وتتم الدراسة في كلية الهندسة كمثال بلغة عربية أقرب للعامية منها للعربية الفصحي ويتعلم الطالب كذلك كل حروف اليونانية القديمة والتي تكتب بها كل المعادلات والرموز الرياضية: ولازالت بعض الكليات العلمية حتي الآن تستبعد الكتابة باللغة العربية مثل كليات الطب. ولقد كان للقوات المسلحة المصرية شرف السبق والريادة في الحفاظ علي اللغة العربية الفصحي سليمة واضحة حازمة ودقيقة في كل ما ترجمته من كتب وأساليب عسكرية واردة أو مستوردة مع السلاح المستورد ومع تنوع مصادر السلاح من الشرق والغرب لمصر وللدول العربية فقد تمت ترجمة المراجع والكتب في كل الدول العربية للغة الأم وعملت الجامعة العربية علي توحيد المصطلحات العسكرية ومنها الرتب العسكرية التي كانت متفاوتة بين الدول العربية وحتي الآن ومن المفيد أن نعلم أن اللواء العراقي محمود شيت خطاب قد ألف كتاباً للجامعة العربية عن المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم وفي هذا الكتاب قال إن الحشد والتعبئة هما النفير - متحرفاً لقتال هي المناورة.. الخ. واللغة العربية غنية جداً بألفاظها ومشتقاتها فالبعض يقول ساق يسوق سياقة علي مقياس قاد يقود قيادة ونحن نقول "سواقة" ولكنها اختلافات بسيطة سيتم تدراكها.