أحسب أن الأسلوب الذي يتبعه العرب في رفض المطلب الإسرائيلي الاعتراف بيهودية اسرائيل.. هو جزء من الإدارة الخاطئة للصراع العربي الإسرائيلي . التي اتسمت بها المواقف العربية منذ نشأة هذا الصراع عام 1948 ..! - ولو كان الأمر بيدي لقلت للإسرائيليين : إذا كنتم تريدون دولة يهودية. علي اعتبار أن هذا حق كفله لكم قرار التقسيم رقم 181 الصادر من الأممالمتحدة في 29 نوفمبر عام 1947 إذن تعالوا نطبق قرار التقسيم .. - ماذا يقول قرار التقسيم ..؟ - يتضمن القرار 4 نقاط أساسية .. هي: 1 إنتهاء الانتداب البريطاني علي فلسطين في موعد أقصاه الأول من أغسطس عام 1948 2 تأسيس دولتين في فلسطين : إحداهما دولة عربية علي مساحة 43% من مساحة فلسطين. والأخري دولة يهودية علي مساحة 56,5% .. 3 إقامة إدارة دولية خاصة لمدينة القدس وما حولها تشمل 5% من مساحة فلسطين.. 4 يتم تأسيس الدولتين العربية واليهودية وإقامة الإدارة الدولية لمدينة القدس في موعد أقصاه الأول من أكتوبر 1948. ومنعا لنشوب أي صراع علي الأرض بين الفلسطينيين واليهود . لم يترك القرار لأي من الجانبين حرية اختيار الأراضي التي يقيم عليها دولته .. وإنما حدد بدقة المناطق التي تقام عليها كل دولة من الدولتين .. - فالدولة العربية تقام فوق أراضي الجليل الغربي "عكا والناصرة". والسامرة "نابلس وجنين وطولكرم". وقطاع القدس "عدا مدينة القدس الخاطعة للإدارة الدولية". وقطاع بيت لحم "عدا مدينة بيت لحم". وقطاع الخليل "عدا الجزء المحاذي للبحر الميت". ومدينة يافا . ومعظم قطاع اللد والرملة. والسهل الساحلي في جنوبفلسطين "المجدل وغزة وخان يونس" . والجزء الغربي الشمالي من قطاع بئر سبع "منطقة عوجا الحفير". - والدولة اليهودية تقام فوق أراضي الجليل الشرقي "صفد طبرية بيسان". وحيفا وقراها. وتل أبيب والمستعمرات اليهودية الواقعة في السهل الساحلي . وقطاع يافا "عدا مدينة يافا". والجزء المحاذي للبحر الميت في قطاع الجليل . وجزء كبير من القري الشرقية في القطاع الغربي . وقطاع بئر السبع "عدا منطقة عوجا الحفير حتي العقبة. - أما حدود القدس التي تقع تحت الإدارة الدولية للأمم المتحدة فهي من الشرق "أبوديس". ومن الغرب "عين كارم". ومن الشمال "شعفاط" ومن الجنوب "بيت لحم". ولأن الشيطان يسكن في التفاصيل . فقد حرص واضعو القرار علي تضييق الخناق علي الشيطان الي أقصي درجة ممكنة . وذلك بأن أرفقوا القرار بخرائط تحدد بدقة المناطق المذكورة التي تقام عليها كل من الدولتين العربية واليهودية ومنطقة الإدارة الدولية للقدس. *** المعروف أن إسرائيل تحتل الآن أكثر من 90% من أراضي فلسطين .. وأقصي ما يطالب به العرب هو العودة الي حدود 1967 التي تمنح اسرائيل 78 % من مساحة فلسطين .. لكن القرار 181 يمنح اسرائيل 56,5% فقط من مساحة فلسطين .. - وبالتالي فإذا كانت اسرائيل قد أثارت مؤخرا مسألة يهودية الدولة استنادا الي أن القرار 181 نص علي تأسيس دولة يهودية في فلسطين .. فيجب أن نطالب اسرائيل بتطبيق القرار 181 كاملا .. أي أن تعود الي حدود 1948 مقابل الاعتراف بيهوديتها . وفي هذه الحالة سوف يتوفر للفلسطينيين أراض لإقامة دولتهم تساوي ضعف الأراضي التي يطالبون بها الآن وهي حدود .1967 - يجب أن يتأسس الموقف العربي في المطالبة بحل الصراع العربي - الإسرائيلي علي أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 . وليس قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967.. - ليس فقط لأن القرار 181 سابق علي القرار 242 .. ولكن لأن القرار 181 هو قرار تقسيم وإرساء وتقنين وضع علي الأرض .. أما القرار 242 فهو قرار يختص بإزالة آثار عدوان إسرائيلي مسلح علي الدول العربية . وليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد لموضوع الدولة الفلسطينية .. فضلا عن أن مجرد قبول العرب بالقرار 242 يعني إعترافهم الصريح بوجود دولة اسمها إسرائيل . وتلك قصة أخري يطول فيها الحديث.. - لكن ما يجب تذكير الإسرائيليين به الآن .. أن القرار 181 هو ¢شهادة ميلاد¢ اسرائيل كدولة عضو في المجتمع الدولي . وبموجب هذا القرار اعترفت معظم دول العالم بإسرائيل عند الإعلان عن قيامها يوم 14 مايو عام 1948 . ووافقت علي منحها العضوية الكاملة في الأممالمتحدة .. - وبالتالي .. فإن عدم تنفيذ إسرائيل للقرار 181 بالعودة الي الحدود التي نص عليها الموضحة بالخرائط المرفقة به .. يساوي بالضبط شخصاً يمزق شهادة ميلاده .. أو يحرق "جواز سفره". فيصبح عندئذ بلا هوية..! أي تفقد اسرائيل شرعية وجودها كدولة عضو في المجتمع الدولي . وتستحق أن نطلق عليها عندئذ "العصابات الصهيونية الإسرائيلية".. لأن سلوكها ليس سلوك دولة . وإنما هو سلوك مجموعة من العصابات المسلحة التي تستولي علي أراضي وممتلكات الغير بالقوة .. !! *** لقد تبنت الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي "يوم الأحد 23 نوفمبر2014" مشروع قانون قدمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يعتبر اسرائيل دولة "يهودية ديمقراطية".. وجهة نظر نتنياهو التي قالها للوزراء المعارضين لمشروع القانون في حكومته أنه "لا يستقيم الوضع علي أن العرب يستطيعون العيش في مدن يهودية . بينما لا يستطيع اليهود العيش في مدن عربية . هناك دولة تنمو داخل الدولة"..وقال نتنياهو: "اسرائيل دولة يهودية ديمقراطية . هناك من يريد للديمقرطية أن تسبق اليهودية وآخرون يريدون العكس. ولذلك أقدم مشروع قانون يجمع بين الرأيين".. وكان نتنياهو في اجتماع سابق للحكومة الإسرائيلية عقد يوم 4 مايو 2014 قد تحدث عن مشروع القانون الذي قدمه فقال: "إن دولة إسرائيل تمنح المساواة الكاملة في الحقوق . الحقوق الفردية . لجميع مواطنيها. ولكنها الدولة القومية لشعب واحد فقط هو الشعب اليهودي. وليس لأي شعب آخر.. إذن من أجل تحصين مكانة دولة إسرائيل باعتبارها الدولة القومية للشعب اليهودي . أنوي سن قانون أساسي يرسي هذه المكانة".! *** الحقيقة أن مطالبة الإسرائيليين الإعتراف بيهودية دولتهم تعود الي عدة سنوات مضت . لكنها برزت في السنوات الأخيرة الي درجة أن بنيامين نتنياهو جعل الاعتراف بيهودية اسرائيل أحد شروط التوصل الي اتفاق سلام مع الفلسطينيين. كما أن الولاياتالمتحدة نفسها مارست أيضا ضغوطا علي الفلسطينيين للاعتراف بيهودية اسرائيل .. وبدلا من أن نلتقط الخيط لنعيد طرح القرار 181 كأساس لحل الصراع العربي - الإسرائيلي . باعتبار أنه القرار الذي يستندون اليه في الحديث عن يهودية دولتهم .. إذا بنا نعلق رفضنا الاعتراف بيهودية اسرائيل علي أن ذلك من شأنه أن يضع العراقيل أمام عملية السلام . كما صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الثلاثاء الماضي "25/11/2014" أوكما قال: "في نفس اليوم أيضا - ياسر عبد ربه أحد مساعدي الرئيس عباس في مقابلة مع إذاعة "صوت فلسطين": "لا يمكن أن نقبل الاعتراف بدولة يهودية عنصرية. هذا نظام عنصري يقام وهم يستخدمون الحديث عن دولة يهودية ديمقراطية للتغطية علي الجانب العنصري الفاضح والوحيد في مثل هذا القانون".! - يبدو أن الإخوة الفلسطينيين نسوا القرار 181 الذي يعطيهم 43% من مساحة فلسطين . وأصبحوا الآن يتعلقون بحبال واهية اسمها ¢عملية السلام¢ .. التي لا تعطيهم أكثر من 22% فقط من مساحة فلسطين.. هذا إذا نجحت العملية ووافقت اسرائيل علي العودة الي حدود 1967! - بقي أن أذكر بأن القرار 181 يتضمن حلا مثاليا لمدينة القدس . وهو وضعها تحت إدارة دولية تشرف عليها الأممالمتحدة .. فنقطع بذلك الطريق علي إدعاءات اليمين المتطرف في اسرائيل بأن القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل.. - إن الفارق بين مساحة اسرائيل التي حددها القرار 181 ب 56,5% من مساحة فلسطين. ومساحة اسرائيل في 4 يونيو 1967 وهي 78% من مساحة فلسطين.. هي الأراضي التي ضمتها اسرائيل بالقوة بعد أن هزمت الجيوش العربية في حرب 1948 لذلك فإن القبول بإقامة الدولة الفلسطينية علي أراضي 1967 وليس علي أراضي 1948 لابد أن يذكرنا بقول الشاعر المتنبي: أغاية الدين أن تحفوا شواربكم.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.