فاجأ كمال الملاخ مصر كلها عندما أعلن عن مولد مهرجان القاهرة السينمائي.. كان هذا عام 1976.. وكان كمال الملاخ "يملك" الصفحة الأخيرة في الأهرام يكتب فيها ما يشاء من فن ورياضة واجتماع وكان القراء كما يقول الملاخ يبدأون قراءة الأهرام من الصفحة الأخيرة.. ثم بعد ذلك "ربما" تنظر في "المانشيت" في الصفحة الأولي.. اكتب هذا ومن باب إظهار مدي تأثير صفحة الملاخ شعبياً من باب المبالغة. أتضح أن فكرة "مهرجان القاهرة السينمائي" كانت قد تولدت في رأس ووجدان الملاخ منذ فترة من كثرة حضوره مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا وغيرها. كان التمويل هو العقبة الأولي والأخيرة أمام الملاخ.. وخلال بحث عن مكان إقامة المهرجان التقي بسامي الزغبي مدير عام مؤسسة "شيراتون" للفنادق في الشرق الأوسط الذي أبدي استعداده لاحتضان المهرجان كله.. من كل الوجوه.. وكانت نقطة الانطلاق.. شيراتون يملك كل ما يريده المهرجان من فنادق علي أعلي مستوي وهذا أكثر من نصف التكاليف وصالات عرض أيضاً.. وهذا لا يمنع من استطاعة الملاخ بثقله الصحفي وقربه من كل الفنانين والفنانات وخاصة المنتجين الكبار.. هذا لم يمنع من جمع تبرعات لها وزنها من أجل ضرورة وجود سيولة ومصاريف أخري كثيرة. انطلق "مهرجان القاهرة السينمائي" عام 1976 وكأنه "قنبلة مدوية" في عالم الفن والسينما والصحافة.. بل والرأي العام كله.. ونجح الملاخ وكان معه في إدارة المهرجان اثنان هما أكبر ناقدين في ذلك الوقت رأفت الخياط وأحمد ماهر. وبينما كان الملاخ كالطاووس في المجتمع المصري الذي يتابع شيئاً مبهراً لم يعرفه من قبل.. همس في أذني صديق العمر سمير فريد الناقد الفني الجديد وقال لي: إنها فضيحة أن تنظم شركة أمريكية مهرجان مصر!! الوزارة هي المسئولة عن هذا المهرجان أمام العالم.. كتبت هذا عام 1976 في نفس العمود الذي تقرأه الآن.. وكان "قنبلة مدوية" ثانية ولكن في الوسط الفني والصحفي فقط.. ثار كمال الملاخ وهاجمني بشدة في كلمته القصيرة المقروءة باستمرار.. بينما كتب كثيرون يؤيدون رأي سمير فريد.. لكي يكون مهرجاناً محترماً له ثقله يجب أن يكون مهرجان مصر لا مهرجان شركة أمريكية.. وظل الحوار ساخناً فترة.. يمولني سمير فريد بالمعلومات والأفكار والتجارب وكل شيء وأنا اكتب وأرد عليهم.. سمير طول عمره وهو في خطوته الأولي في عالم الصحافة والنقد نقول عنه "الناقد المثقف المحايد لأبعد الحدود".. أذكر أنه قال لي رئيس التحرير أيامها أستاذي محسن محمد.. يخرب عقلك التوزيع زاد!!!.. قلت له الشكر كل الشكر لصاحب العمود الحقيقي.. سمير فريد.. إلي أن نجحنا في تعديل المسار. *** لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟ لأن مهرجان الإذاعة والتليفزيون الذي تمت ولادته في نادي الجزيرة.. عندما حضر المرحوم ممدوح الليثي ومعه قادة التليفزيون آخر مهرجان أقمناه بدعوة من حسين عنان أمين صندوق النادي ورئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. وقال لي الليثي: هذا المهرجان مكانه الطبيعي ماسبيرو.. وقد كان.. وبعد أن كان مهرجاناً محلياً محدوداً لا يشعر به أحد أصبح يشغل كل الدول العربية بلا استثناء.. تماماً كما حدث لمهرجان القاهرة السينمائي.. فهل نعود ونمنع السرقة والعمل في الخفاء؟؟!! يا رب.