بالتأكيد المصريون أحوج ما يكون في هذه الظروف للتصالح مع أشياء كثيرة ليس من بينها الدم أو المال العام علي كل حال. نحتاج للمصالحة مع العمل لإعلاء قيمته.. مع النظام والنظافة وتقبل الرأي الآخر واحترام القانون.. وغير ذلك الكثير من الأمراض التي تهدد الشخصية المصرية. لكني لا أفهم كيف يكون التصالح مع من سرقوا ونهبوا أموال هذا الشعب.. ويبدو أن اللجنة العليا للإصلاح التشريعي لها رأي آخر.. فقد خرجت علينا بمشروع لتعديل قانون الاجراءات الجنائية لم يلتفت له أحد لأنه جاء مرافقاً لقانون الكيانات الإرهابية الذي ينتظره الجميع.. هذا التعديل يجيز التصالح في جرائم اختلاس المال العام أو العدوان عليه أو الغدر فيه بموجب تسوية تقوم بها لجنة من الخبراء يصدر قرار بتشكيلها من رئيس الوزراء!!! التعديل بالطبع سيشمل الموظف العام لأنه تعديل جذري علي القانون.. وإذا كان مقبولاً أن نتصالح مع الهاربين للخارج لاسترداد ما يمكن مما نهبوه من أموالنا فكيف نرضي بتطبيقه علي لصوص المال العام في الداخل وخاصة "الموظف العام" الذين نهبوا الأراضي والأموال والبنوك ومازالوا وسيظلون؟!.. هل يعني تطبيق هذا القانون أن نتحول جميعاً لناهبين للمال العام مادمنا سنتصالح!! وهل يعني ذلك أن نقول للموظف العام "اسرق وتصالح".. وأي منطق هذا الذي سيحكم العدالة في مصر.. سارق الجنيهات الجائع يسجن وسارق المليارات نخطب وده ونشكل له لجان تصالح!! وهل يعني ذلك اسقاط التهمة بمجرد التصالح فنترك الموظف العام مثلاً في وظيفته ليبدأ الرحلة من جديد؟!! والأهم من ذلك كله هل فكرت اللجنة العليا للإصلاح التشريعي في مردود مثل هذه القوانين علي مناخ الاستثمار خاصة وأننا مقبلون علي مشروعات استثمارية ضخمة جاء من أجلها العالم كله لمصر وكيف يثق المستثمر فينا ونحن نشجع الفساد وبالقانون؟! وبماذا نرد علي تقارير وزارة التجارة الأمريكية التي خرجت تحذر الشركات ورجال الأعمال الراغبين في الاستثمار في مصر من انتشار الفساد؟ بل كيف تجاهلت لجنة الاصلاح التشريعي تقارير منظمة الشفافية العالمية التي وضعتنا ضمن أول عشر دول في العالم في معدلات الفساد بعد أن كنا رقم 115 علي 180 دولة عام 2009 وماذا ستفعل في فاتورة الفساد التي تكلفنا سنوياً 200 مليار جنيه من دم الغلابة؟ ونفس هذه التقارير أكدت أن الفساد في مصر أخطر من الإرهاب وإذا تحفظنا بعض الشيء علي ذلك إلا أن المقولة بها كثير من الحقيقة.. هل ننكر أنه تحول لأسلوب حياة؟ والأدهي أن لجنة الإصلاحات تطالبنا بالتصالح معه.. ولن نقبل.. فهي أشياء لا تشتري علي رأي شاعرنا الراحل أمل دنقل.