كنت قد عاهدت نفسي أن اتوقف مؤقتا عن تناول حال نظامنا التعليمي العام لأسباب تصورت انها منطقية .. أهمها أن وزير التربية والتعليم أصبح يشعر أن الإعلام يحمله مسئولية تراكمات وأخطاء وفساد استمر 4 عقود .. حتي بدا الامر كما لوكان استهدافا شخصيا له .. ورأيت أن من حقه أن يحصل علي فرصة لترتيب البيت ودراسة الأولويات ووضع الخطط لانقاذ ما يمكن انقاذه.. بعيدا عن الضغط الاعلامي المتواصل.. ولكن موقفا شخصياً ¢مؤلما¢ جعلني اوقن ان من حق الوزير والعاملين في هذا القطاع شديد الخطورة ان نطرح عليهم افكارنا وان نشاركهم في اتخاذ القرار عن طريق كشف جوانب القصور في العملية التعليمية. حدث ذلك عندما عادت ابنتي في الصف الثالث الاعدادي من امتحان نصف الفصل الدراسي في مادة الداراسات الاجتماعية متجهمة حزينة وصفعتني بعبارة كثفت كل معاني القهر التي يعاني منها طلابنا وتلاميذنا: لماذا يصرون علي كسرنا.. وعندما قرأت اسئلة الامتحان اصابني ما اصابها من احباط. كانت الجملة اكبر من سنها.. وكانت تلخص حال تلاميذ وطلاب المراحل التعليمية الثلاث مع المناهج ومع مافيا الدروس الخصوصية ومع اليوم المدرسي الذي لا يختلف كثيرا عن سجون الاشغال الشاقة. تكرر المشهد مع امتحان الرسم.. ابنتي لا تحب الرسم ولا تهواه.. حظها العاثر انها موهوبة في الموسيقي والرياضة.. ولاسباب انسانية وتشريحيه تتعلق بالمهارة اليدوية لا تجيد الرسم.. ولكنها مجبرة بأمر نظامنا التعليمي الموقر علي ان تمتحن فيه وان تحصل علي الحد الادني من درجات المادة بكل ما يسببه ذلك من احباط. موقف ثالث وبطله هذه المرة استاذ في اللغة العربية نستعين به لفك طلاسم المادة التي تتجاوز حدود مقدرتها رغم كونها من المتفوقات.. فقد اكد في اكثر من مناسبة ان جانبا كبيرا من المناهج المقررة علي المرحلة الإعدادية كانت تدرس في المرحلة الثانوية وانها تجهد الطلاب وتتجاوز حدود استيعابهم. مدرس رياضيات ومتعهد دروس خصوصيه بمركز تعليمي تجاري شهير.. وهي المراكز التي اصبحت البديل الشرعي للمدارس الخاصة والعامة علي حد سواء أكد نفس المعني.. المناهج لا تناسب السن وتسرق الوقت وتحرم الطلاب من ممارسة حياتهم الطبيعية خلال العام الدراسي الذي يتحول الي كابوس. لقد فوجئت بأن طالب الصف الثالث الاعدادي مطالب بمعرفة وحفظ جميع الأنهار في العالم من الصين الي الولاياتالمتحدة الي كوستاريكا الي جزر الواق واق.. ومعها اسماء ومواقع جميع الجبال والهضاب والغابات وخطوط الطول والعرض والارتفاع.. مطالب بحفظ مئات التواريخ لغزوات ومعارك واتفاقيات لدول وخلافات وامبراطوريات في منهاج واحد.. ومطلوب منه ان يتحول الي آلة حفظ نحشوها بمعلومات لا تضيف لهم سوي الهم والغم ومشاعر القهر. حتي القصة المقررة علي المرحلة الاعدادية ضمن منهاج اللغة العربية مليئة بالتواريخ التي لا يصلح معها الفهم ولا شئ غير الحفظ رغم ان الهدف من تدريس الروايات الادبية علي حسب علمي.. ليس حفظ معارك وحوادث وتواريخ ميلاد ووفاة عشرات الشخصيات.. ولكن تعريف الطالب بشكل من أشكال الابداع الادبي بالاضافة الي مجموعة من القيم الاخلاقية التي تدور حولها احداث الرواية. المناهج يا معالي الوزير هي الكارثة الاولي في نظامنا التعليمي.. هي التي شجعت ظاهرة الدروس الخصوصية وجعلت الاعيب التحايل علي نظامنا الامتحاني البالي هي الهدف وليس التعلم واكتساب المهارات والخبرات. قوانين العمل تحدد عدد ساعاته بثماني ساعات يوميا وعندنا الطالب يعمل من 12 الي 14 ساعة يوميا.. يستيقظ من السادسة صباحا ويرجع من المدرسة في الثالثة او الرابعة عصرا ليبدأ المذاكرة حتي الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة مساء.. هل هذا انساني.. وهل يبني اجيالا سوية تشعر بجميل الوطن عليها وتحرص عليه وتلتزم بقيم الاخلاق وتحترم النظام العام ؟.. اظن العاملين في التعليم يعرفون الاجابة ومع ذلك تستمر المناهج التعجيزية ويستمر نظام التلقين والحفظ بغير فهم ويستمر سجن العقل وقتل الابداع ووأد التفكير..