سبق أن قلنا إنه لا يوجد في الفقه الإسلامي ما يسمي بإشكالية المسنين» لسببين: الأول: انهم جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الشرعي. وما يترتب عليه من حقهم في الحياة. الذي يمنع قتلهم. كما يمنعهم من الانتحار. ويأمرهم بالتداوي. وينهاهم عن الاستسلام للمرض. ونريد ان نتعرف علي السبب الثاني لانعدام إشكالية المسنين في المجتمع الشرعي وهو ان الشريعة الإسلامية جعلت مرتبتهم الاجتماعية هي أرقي المنازل. فكلما كبر الإنسان كلما ارتقت درجته وارتفعت منزلته الاجتماعية في الفكر الإسلامي علي سبيل الإجمال. ونكتفي في هذا المقام لبيان تلك الحقيقة الشرعية بذكر ثلاث درجات اجتماعية منحها الإسلام لكبير السن. الأولي: تقديمه في الإمامة الصغري - اي في صلاة الجماعة - الثانية: تصدره في المجالس والمحاكي - فمكانة الصف الأول - والثالثة: حظوته بألقاب الشرف. ونوضح ذلك تباعاً بإذن الله تعالي. أما بيان تقديم المسن في الإمامة الصغري فيستوجب التعرف علي تلك الإمامة وأهميتها في المجتمع المسلم. والإمامة الصغري هي إمامة الصلاة. ووصفت بالصغري تمييزاً لها عن الإمامة الكبري التي هي: "الرئاسة العامة خلافة عن النبي صلي الله عليه وسلم". والتي يتولاها اليوم رؤساء الدول. وقد أجمع الفقهاء في الجملة علي اشتراط الذكورة في إمام الصلاة إذا كان المأموم رجلاً» لما أخرجه ابن ماجة بإسناد ضعيف. عن جابر. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ألا لا تؤمن امرأة رجلاً". أما إمامة المرأة للنساء فجائزة عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية» لما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد حسن. عن أم ورقة. أن النبي صلي الله عليه وسلم أذن لها ان تؤم نساء أهل دارها. وذهب المالكية إلي عدم مشروعية إمام المرأة بحال» للأمر بتأخير النساء. وإمامة الصلاة من الأعمال الشرعية الشريفة والمهمة في الوقت نفسه. أما كونها شريفة فلأنه لا يتولاها إلا أهل الفضل والأخير خلقاً وعدالة. وأما كون وظيفة الإمامة في الصلاة مهمة فلأنه لا يستغني عنها المجتمع المسلم بحال. حيث لا تتأتي صلاة الجماعة إلا بها. وصلاة الجماعة من شعائر الإسلام. وهي شرط لصحة الصلاة. وأما حكم صلاة الجماعة في غير صلاة الجمعة من سائر الصلوات المكتوبات فقد فرق الفقهاء في ذلك بين الرجال وبين النساء. والحكم في الجملة يدور بين الفرض والاستحباب. "1" أما حكم صلاة الجماعة للمكتوبات في حق الرجال ففيه خلاف بين الفقهاء. نجمله في ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: يري ان صلاة الجماعة للرجال سنة مؤكدة. وإليه ذهب جمهور الحنفية. والمالكية. وهو أحد الوجهين عند الشافعية. وحجتهم: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". وفي رواية أبي سعيد الخدري: "بخمس وعشرين درجة". وهذا ظاهر في بيان فضيلة الجماعة لا وجوبها. المذهب الثاني: يري أن الجماعة للرجال فرض كفاية - يعني إذا قام بها البعض في كل قرية أو حي من أحياء المدينة سقط الإثم عن الباقين - وهو الأصح عند الشافعية. وحجتهم: ما أخرجه ابن حبان عن أبي الدرداء. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان. فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية". المذهب الثالث: يري ان الجماعة في الصلوات المكتوبات للرجال واجبة عينا. غير انها ليست شرطا في صحة الصلاة. وهو المذهب عند الحنابلة. وقال ابن عقيل من الحنابلة: تبطل الصلاة بدون الجماعة. وحجتهم: ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة. قال: أتي النبي صلي الله عليه وسلم رجل أعمي. فقال: يا رسول الله. إنه ليس لي قائد يقودني إلي المسجد. فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟" فقال: نعم. قال: "فأجب". قالوا: وإذا كان النبي صلي الله عليه وسلم لم يرخص للأعمي الذي لم يجد قائداً أن يصلي في بيته. فغيره أولي بعدم الترخص في ترك الجماعة. وأجيب عن هذا الحديث بأن النبي صلي الله عليه وسلم أمره بحضور الجماعة لتحصيل الثواب والفضل. وليس علي سبيل الإلزام» لأن السائل كان يسأل عن الثواب وليس الإجزاء.