** توقفت أمام تحقيق صحفي نشرته جريدة "الأهرام" منذ عشرة أيام تحت عنوان "مصر غير قابلة للإفلاس".. خلُص التحقيق إلي أن مصر لن تفلس. وتوسطه صورتان لقناة السويس والبنك المركزي. وإن خلا من أي صورة أخري للمصادر التي استقي منها المحرر معلوماته. وبني عليها مقدمته علي طريقة الدكتور صلاح جودة. وما أدراك ما الدكتور صلاح جودة. الذي يستطيع بخبراته ودراساته في دنيا المال والاقتصاد أن يضع الحلول لمشاكل مصر الاقتصادية في زمن أقصاه 45 دقيقة علي الأكثر. بشرط توفر الإرادة السياسية.. ولست هنا بصدد تقييم مثل هذا التحقيق مهنياً ولكن الملاحظ أن محرره أراد أن يحصره في نطاق الموضوعات الاقتصادية لتفادي الخوض في غمار السياسة. رغم أن الموضوع سياسي من الدرجة الأولي. ولو غيَّر كاتب التحقيق وجهة موضوعه إلي موضوع الساعة. وأعني الانتخابات الرئاسية. لاكتسب التحقيق أهمية بالغة. وتسابق المرشحان للرئاسة علي تبني ما جاء به من أفكار ومقترحات. وتعهدا في برنامجيهما بالعمل علي إزالة المعوقات التي تحول دون استثمار موارد مصر الهائلة لتجاوز محنتها. والانتقال بها من مصاف الدول النامية المتعثرة اقتصادياً إلي مصاف الدول الغنية. .. وفي البداية دعونا نعيد تكرار تصريحات مهمة للغاية. جاءت علي لسان "كاترين أشتون" المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي التي أكدت من خلالها أن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية. وأن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة طبيعية خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة من حكم مبارك يكفي لظهور ملايين الأثرياء في مصر. الأمر الذي أكد عليه مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا. وصانع نهضتها الحديثة بأن مصر لديها ثروات ضخمة عير مستغلة. كافية لمساعدة حوالي 50 دولة علي مستوي العالم.. وواقع الحال أن فكرة التحقيق المذكور جديرة بالاهتمام من كافة أجهزة الإعلام. فالأمر جد خطير. ** وإن كان التحقيق لم يشر صراحة إلي استغلال النفوذ. وتشابك أصحاب المصالح من رموز الفساد. الذين يمثلون الرأسمالية المستغلة "بكسر الغين". إلا أنه قد أشار إلي عشرات المليارات التي تذهب سنوياً في صورة رشاوي للموظفين. ويشير الزميل علي شيخون في تحقيقه إلي أن مصر بحسب التقارير الرسمية لديها احتياطيات الحديد ضخمة من الموارد غير المستغلة "بفتح الغين". ومنها علي سبيل المثال: احتياطيات التي تقدر بحوالي أربعمائة طن في أسوان والواحات البحرية والصحراء الشرقية. وجبل من الذهب في منجم السكري. يقدر بحوالي خمسة ملايين أوقية. في الموقع الوحيد المعلن عنه بين قرابة 270 موقعاً آخر في انتظار قرار سيادي لاستخراج الذهب منها. ولدي مصر أيضاً مخزون من الفوسفات يصل إلي عشرة آلاف مليون طن في المحاميد والمناطق المجاورة لها. وساحل البحر الأحمر وأبوطرطور تقدر بثمانمائة مليار دولار.. إضافة إلي مخزون المنجنيز في سيناء. ومخزون الرمال البيضاء التي تدخل في صناعة الزجاج وشرائح الأجهزة الكهربائية. وإنتاج الكهرباء. ويقدر مخزون الرمال البيضاء بحوالي عشرين مليار طن. وطبقاً لدراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء. فإن مصر تمتلك أكبر مخزون من الرخام والجرانيت علي مستوي العالم. ويمكنها أن تصدر للخارج بما قيمته ملياري دولار سنوياً. وطبقاً لتقرير آخر أعدته هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية حول الكميات الممكن استخراجها من غاز وبترول. تأكد أن حوض دلتا النيل والظهير البحري له من البحر المتوسط يحتويان علي ألف وثمانمائة مليار برميل من البترول. و223 ألف مليار قدم مكعب من الغاز. إلي جانب حوالي ستة مليارات برميل غاز مسال. وخمسة مليارات برميل بترول في البحر الأحمر. ** آخر الكلام: ولعل أهم ما جاء بالتحقيق.. بعيداً عن الاحتياطيات.. التي تحتاج إلي سنوات للحصول علي عوائدها. ما جاء علي لسان الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور حسن أبوسعدة. من تصريحات بدأها بقوله: "إن كل من تولي حكم مصر لم يقدر ثرواتها وإمكاناتها الحقيقية".. مشيراً إلي دراسة علمية شارك في إعدادها مع مجموعة من الخبراء المصريين الوطنيين بامتداد سبع سنوات "2003/ 2010". مع مكاتب الاستشارات المالية والاقتصادية العالمية وشركات التأمين في الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا.. الدراسة المذكورة تناولت المشروعات التنموية في مصر حتي عام 2050. ومن أهم ما توصلت إليه أن القيمة التأمينية للأصول المملوكة للدولة في مصر تصل قيمتها إلي خمسة عشر ألف مليار دولار. أي ما يقارب مائة ألف مليار جنيه مصري. وتشمل شركات القطاع العام والبنوك وقناة السويس والمناجم والأراضي القابلة للزراعة بالمياه الجوفية. وجميعها تدر عائداً قدره 70 مليار جنيه فقط. الأمر الذي يكشف عن خلل كبير في إدارة المنظومة الاقتصادية. ويؤكد ضرورة تفعيل قرارات الأجهزة الرقابية وحماية القائمين عليها للقضاء علي منابع الفساد في كافة أجهزة الدولة. وخلصت الدراسة إلي أن مصر في حال الاستثمار الشفاف لهذه الأصول. سوف تنضم لركب الدول العظمي. وتقضي علي الفقر والجهل والعشوائيات خلال خمس سنوات فقط. وعلي رأي عمنا فاروق عبدالعزيز: قول يا رب.