ذكرنا أن الإنسان يتناول الطعام أو الشراب لثلاثة أسباب غالبا. هي الجوع. أو الشره أو المجاملة. وتكلمنا عن هدي النبوة في تناول الطعام لسد الجوع. ونريد التعرف علي هدي النبوة في تناول الطعام شرهاً أو سرفاً. والشراهة في الطعام أو الشراب. صفة ذميمة عقلاً وشرعاً. وهي شدة الحرص علي الطعام. والإكثار منه فوق حاجة الجسد. وقد نهي الله عن ذلك نهياً قاطعاً في قوله سبحانه: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" "الأعراف:31" أي لا يحب المسرفين في الطعام والشراب بالإكثار منه في بطونهم. أو بالإكثار منه في الطهي والإعداد ثم إلقاء بواقي الطعام والشراب بالإكثار منه في بطونهم. أو بالإكثار منه في الطهي والإعداد تم إلقاء بواقي الطعام في صناديق القمامة دون أن ينتفع به آخر. وقوله سبحانه: إنه لا يحب المسرفين"لا يعني أن هذه السرف في الطعام والشراب مكروه وليس محرماً. لأنه نفي حبه للمسرفين. بل هذا السرف في الطعام والشراب محرم» لأن الله تعالي عبر عن الظلم والعدوان بنفس التعبير. كما يقول ابن جرير الطبري فقال سبحانه: ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "البقرة: 190". والمعروف ان العدوان محرم بالإجماع. فكذلك السرف في الطعام والشراب. وأخرج أبو يعلي والدارقطني. بسند غريب. عن أنس بن مالك. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال : "إن من السرف أن تأكل ما اشتهيت" . وأخرج النسائي وابن ماجه. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة". والمتتبع للهدي النبوي يجد الرشد في ذلك. ويمكن إيجاز هذا الهدي في ثلاثة أمور: الأمر الأول: عدم التوسع في تجهيز الطعام إلا بالقدر المطلوب. فعلي ربات البيوت وأصحاب الولائم ألا يجهزوا من الطعام إلا علي قدر الحاجة. أو أقل بقليل» لأن الزيادة سرف وطمع. ومحل مؤاخذة يوم القيامة. والله عز وجل يقول: "ثم لتسألن يومئذ عن النعيم" "التكاثر: 8". ولا يصح أن نسمع من بعض الغافلين أن السؤال عن هذه النعم خاص بالأغنياء والامراء دون البسطاء. فقد أخرج الترمذي وحسنه. عن عكرمة. قال: لما نزلت هذه الآية: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم"قال الصحابة: يا رسول الله وأي نعيم نحن فيه. وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير. فأوحي الله إلي نبيه. صلي الله عليه وسلم. : قل لهم: أليس تحتذون النعال. وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم. واخرج أحمد عن محمود بن الربيع. قال: لما نزلت الآية: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم"قالوا:¢ يا رسول الله. عن أي نعيم نسأل. وإنما هما الأسودان الماء والتمر. وسيوفنا علي رقابنا. والعدو حاضر. فعن أي نعيم نسأل؟ قال: "أما إن ذلك سيكون". الأمر الثاني:. علي صاحب الطعام أن يطمئن ببركة الله سبحانه إن نزل به ضيف فجأة فلا يخشي صاحب الوليمة مثلاً أن يكثر العدد. فيحرج من عدم وجود طعام لهم» لما أخرجه مالك عن أبي هريرة. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: طعام الأثنين كاف لثلاثة. وطعام الثلاثة كاف لأربعة". وعند مسلم واحمد عن جابر. بلفظ: طعام الواحد يكفي الاثنين. وطعام الاثنين يكفي الأربعة.وطعام الأربعة يكفي الثمانية". هكذا بالمضاعفات. ولأن صاحب الوليمة بين خطرين: خطر زيادة العدد. فيتاج للطعام. وخطر قلة العدد بالاعتذار. فيفيض الطعام. والقاعدة الفقهية عند التعارض تقضي بدفع أعظم المفسدتين. ولا شك أن مفسدة هلاك الطعام وضياعه أعظم من مفسدة الاحتياج إلي الطعام» فنقدم قلة الطعام علي كثرته..الأمر الثالث: علي من يتبقي عنده شئ من طعام أن يدخره لوقت الحاجة. وذلك بحفظه بالوسائل المختلفة. وقد كان الناس يحفظون طعامهم قبل المبردات بالتغطية وعدم التلوث. ولذلك ورد في الهدي النبوي ما أخرجه أبو الشيخ عن عبدالله بن حراد. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال : طهور الطعام يزيد في الطعام والدين والرزق". واخرج الشيخان عن أبي قتادة. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء" وأخرج الترمذي وصححه. عن أبي سعيد الخدري. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. نهي عن النفخ في الشراب. قال الصنعاني هذا دليل علي تحريم النفخ في الإناء الذي به طعام أو شراب كثير» خشية تقذيره علي غيره. لأنه قد يخرج شئ من الفم فيتصل بالماء فيقذره علي غيره. وإذا استغني صاحب الطعام الفائض عنه. فيجب عليه أن يبحث عمن يحتاجه فيعطيه إياه. ولا يلقيه في القمامة. وإلا كان من إخوان الشياطين. كما قال تعالي: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً" "الإسراء: 27". وقدر ورد فيما أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: من كان عند فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له. ومن كان عنده فضل زاد فليعد به علي من لا زادله" حتي ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل. هكذا يعالج الإسلام مرض الشره في الطعام ويبني علائق الناس علي التعاون والتراحم والتواد.