"الطب النبوي" اصطلاح قديم ولا يغني عن الطب العلمي أو التجريبي في الجملة بل هو مكمل له ولذلك توجه كثير من المتخصصين في المؤتمرات الطبية الحديثة بتسميته "الطب التكميلي". ومن أفضل من أوجز الحديث عن الطب النبوي ابن القيم الجوزيه في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" ويطلق الطب النبوي علي ثلاثة أنواع. النوع الأول: الطب الأخلاقي والمقصود به اصلاح القلب ومداواته من الأمراض الأخلاقية كالحسد والغل والحقد والغضب والطمع والأنانية ويكون ذلك بالموعظة القرآنية أو النبوية الحسنة وبالتربية علي أخلاق النبوة. النوع الثاني: الطب النفسي والمقصود به الشد من الأزر لرفع معنويات المريض وإعادة ثقته في نفسه حتي يتغلب علي المرض ذاتيا أو بمعاونة الدواء ويكون ذلك بالدعاء لله سبحانه والاستعاذة به من المرض وهذا الدعاء أو تلك الاستعاذة هو ما يسمي بالرقية الشرعية أو العلاج الروحاني. النوع الثالث: الطب البدني أو الجسدي لبعض الأمراض الباطنية والجلدية التي كانت معروفة في البيئة العربية ويكون ذلك ببعض المواد أو الأعشاب الطبيعية كالعسل وحبة البركة في بعض الأمراض الباطنية ومثل الكحل والحناء في بعض الأمراض الجلدية أو السطحية وسوف نقوم بتوضيح تلك الأنواع الثلاثة ونبدأ بالطب الأخلاقي المختص بعلاج القلب من الأمراض الأخلاقية. والمقصود بمرض القلب مرض الأخلاق ولذلك قال تعالي عن المنافقين "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" "البقرة 9 - 10". والمنافق يتصف بأبخس الصفات الأخلاقية أشهرها ما ورد في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال "آية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان" وزاد في رواية "وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر". ويعد القرآن الكريم هذه الأمراض أسوأ أنواع أسلحة الدمار الشامل للقيم الانسانية وشبه من يتصف بها بالذئاب والوحوش التي تأكل ميتة بعض. قال تعالي: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم" "الحجرات 12". وقد نشأت هذه الأمراض الأخلاقية منذ تعدد النسل وصار هناك نزاع في الحصول علي الأشياء مع تعارض الرغبات. وقد أشار القرآن الكريم إلي نزاع ابني آدم قابيل وهابيل في الزواج من فتاة آدم عليه السلام واحتكما إلي القربان ومع ذلك كان الطمع والأنانية من قابيل. قال تعالي "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين" "المائدة 27". ومع زيادة النسل وتعارض المصالح والرغبات تزداد أمراض القلوب ومن هنا جاءت الرسالات السماوية لتهذيب النفوس وتربيتها علي البذل والعطاء والتعاون والايثار..وقد جاء النبي صلي الله عليه وسلم بعلاج تلك الأمراض وأمثالها عن طريق النهي عنها وبيان قبحها وسوء عاقبتها في الآخرة ليس هذا فقط وانما بإحلال الأخلاق الكريمة مكانها وتعظيم شأن صاحبها فقد أخرج أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" وفي لفظ الموطأ عن مالك "بعثت لأتمم حسن الأخلاق" وأخرج الطبراني برجال ثقات عن سهل بن سعد ان النبي صلي الله عليه وسلم قال "إن الله عز وجل كريم يحب الكرماء ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها" وذهب ابن عباس وكثير من التابعين إلي أن الدين هو الخلق العظيم فصاحب الدين هو صاحب الخلق العظيم والعكس صحيح يعني عديم الدين هو عديم الخلق العظيم واستدلوا علي ذلك بقوله تعالي "وإنك لعلي خلق عظيم" "القلم 4" وأخذ بذلك ابن القيم فقال "الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".