1 في قوله تعالي: "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب" "سورة النور: 36. 37. 38". أولاً: في قوله تعالي: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع" جاء ذكر البيع بعد ذكر التجارة من باب ذكر الخاص بعد العام. فما قيمة هذا التخصيص؟ لا شك في أن التجارة بيع وشراء. وأن الربح عند البيع متحقق ناجز. وعند الشراء متوقع أو مظنون لا يتم ولا يتحقق إلا عند البيع. وقد يعرض للسلعة تلف أو كساد سوق أو تغير أحوال ونحو ذلك. فلا يلزم من نفي الهاء الشراء الذي هو قسيم البيع إلهاء البيع. في حين أن من ترك المكسب المتيقن كان ترك المظنون عليه أيسر. فالتعبيرالقرآني بذكر البيع بعد التجارة يفيد شدة إقبالهم علي الله بحيث لا يشغلهم عنه شيء ولو كان ربحاً متحققاً في أيديهم. ثانياً: في قوله تعالي: "وإقام الصلاة" آثر النص القرآني التعبير بلفظ القيام دون الوقوف لأمرين: أحدهما: ان القيام يقتضي الثبات والتمهل. أو الإقامة ونحوها. يقال: أقام فلان بالمكان إذا لبث فيه واتخذه وطناً. وهذا يعني أن القائم للصلاة أو المقيم لها ينبغي أن يعطيها حقها من السكينة والطمأنينة. الآخر: ان القيام من معانيه العزم. والمحافظة. والاهتمام بالأمر. يقال قام فلان للأمر إذا تهيأ له واستعد. وشمر عن ساعد الجد لقضائه. والإسلام لا يريدها مجرد ركعات خاطفة. إنما يريدها عبادة تنبع من عقيدة صادقة. فتؤتي ثمرتها في إصلاح صاحبها. فتقوم سلوكه. وتنهاه عن الفحشاء والمنكر. وهذا لا يتأتي إلا ممن تهيأ واستعد وأخذ الأمر بجد وعزيمة. وهنا يتوافق سياق النص مع سياقه القرآني الذي آثر لفظ القيام ومشتقاته دون لفظ الوقوف في جميع المواضع أو الآيات التي تحدثت عن الصلاة وإقامتها. فقال سبحانه: "وأقاموا الصلاة.." "البقرة: 277". "ويقيمون الصلاة.. "البقرة: 3". "ليقيموا الصلاة.." "إبراهيم: 37". و"أقيموا الصلاة.." "البقرة: 43". "قم الليل.." "المزمل: 2". "سجداً وقياما.." "الفرقان: 64". و "المقيمين الصلاة.." "النساء: 162". إلي غير ذلك من المواضع. ثالثاً : أكدت هذه الآية أن الذين يعمرون بيوت الله يذكرونه ويسبحونه هم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وهو ما أكدته أيضاً آية التوبة بأسلوب القصر "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وإقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله. فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين" [التوبة : 18]. وهو ما يؤكد التئام النسق القرآني. وانسجام بعضه من بعض. وتفسيره بعضه لبعض. وتقوية هذا المعني لذلك. وارتباطه به. وإن تباعدت مواضع السور أو الآيات. رابعاً : لما كان فعل هؤلاء الرجال متميزاً في إخلاصهم لله. وتركهم المكاسب الدنيوية ابتغاء رضوانه. كان عطاء الله لهم خاصاً ومتميزاً. فإنه سيجزيهم أحسن ما عملوا. ويزيدهم من فضله. وفي التذييل بقوله تعالي : "والله يرزق من يشاء بغير حساب" ما يوحي بأن الله سيعطيهم عطاء لا حدود له. أو سيرزقهم بما لم يكن في حسابهم. ما لا عين رأت. ولا أذن سمعت. ولا خطر علي قلب بشر. 2 في قوله تعالي : "وجعلوا لله شوكاء الجن" [الأنعام : 100] ليس بخاف أن لتقديم الشركاء حسنا وروعة ومأخذاً من القلوب لا تجد شيئاً منه إن أخرت فقلت : وجعلوا الجن شركاء لله. وذلك لأنك لو قدمت فقلت : وجعلوا الجن شركاء لله. لكان الإنكار منصباً علي أن يكون الجن شركاء لله. أما لو قلت : وجعلوا شركاء لله الجن. لكان الإنكار مؤكداً مرتين: الأولي : إنكار اتخاذ أي شريك مع الله "عز وجل" من الجن أو من غيرهم. والأخري : إنكار أن يكون الجن شركاء لله من باب ذكر الخاص بعد العام. لشدة تعلقهم بالجن ورهبتهم منه. وهذا المعني أقوي وأبلغ وأقطع في نفي أي شريك لله "عز وجل" سواء من الجن أم من غيرهم. وإذا تيقن الإنسان أنه لا شريك لله "عز وجل" لا من الجن ولا من غيره اتجه قلبه وعقله إلي الله وحده. فلا يخاف إلا من الله "عز وجل". ولا يعتمد إلا عليه. فلا يغش. ولا يكذب. ولا يخادع. لثقته. أن الأمور كلها بيد الله وحده. وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه. وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. يقول الحق سبحانه : "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" [يس : 82].