ما أشبه الليلة بالبارحة.. فقد اعتقدنا أن الأمور سوف تتغير. وتسير إلي الأمام. وأن الإضرابات والاعتصامات سوف تزول بعد أن تناولت الدواء الشافي. وكانت شفرته أو بالمفهوم الطبي "مفعوله الكيميائي" تغليب المصلحة العامة علي الخاصة. حتي يتسني لهذا البلد أن يخرج من كبوته.. ولكن دون سابق إنذار. وجدنا هذه الإضرابات والاعتصامات تطل برأسها من جديد لتعكر صفو حياتنا. خاصة ونحن علي مشارف انتخاب رئيس جديد للبلاد. وكأنها تقول له: نحن هنا.. كل ذلك والحكومة تقف موقف المتفرج أمام هذه الأحداث. فأنا لا أعيب علي شخص رئيس الوزراء. ولكن أعيب علي أدائه الضعيف لرئيس الحكومة. من ثم علي الحكومة نفسها.. تلك الحكومة التي عقد عليها الكثيرون الآمال في إنقاذهم من الكبوة التي ألمت بهم. ولكن خاب رجاؤهم.. فلم تحرك ساكناً حتي عندما أنصفها الزمان بالحد الأدني للأجور. لم تستطع تطبيقه حتي الآن. فما بالنا بالحد الأقصي. ونحن نسمع أرقاماً فلكية لأجور بعض الموظفين والمفترض فيهم أنهم من موظفي الحكومة. وليس القطاع الخاص.. فأين العدالة الاجتماعية التي نادت بها ثورة 25 يناير؟!!.. وكأننا نخلق رحي طاحنة بين فئتي المجتمع. وأقصد العليا. ومعدومة الدخل. لأننا طبعاً لم يعد لدينا فئة متوسطة. فقد اندثرت مع ضجيج صوت الرحي المجتمعية. فبين ارتفاع في الأسعار. وزيادة في التضخم وانحسار في الدخل تطحن عظام المواطنين البسطاء. لدرجة جعلت كلمة معدومي الدخل تشمل بين طياته بعض صغار الموظفين. وقد تطول الفئات المبتدئة من المعلمين. فلا يأتي يوم إلا وتثبت الحكومة تخبط قراراتها الطاحنة. فقد استفزني بشدة موقف وزارة التربية والتعليم من فئات المعلمين في محافظة الشرقية. والذين تم تعيينهم من ثلاث سنوات في أعقاب ثورة 25 يناير تعييناً رسمياً. واستمروا بالفعل طيلة الثلاث سنوات الماضية يعملون كموظفين معينين لا لشيء إلا لأنهم معينون فعلاً ليطل عليهم وكيل وزارة التعليم بالشرقية بقرار عاصف مفاده أنهم غير معينين. أو تعينوا بطريق الخطأ. أو أياً ما كانت وسيلة التعيين!!.. النتيجة أنهم غير معينين "شرعيين" ليجمع هؤلاء الشباب بعضهم البعض ويتجهوا إلي وكيل الوزارة الذي يهددهم بالفصل النهائي إذا لم يمتثلوا للقرار. ووقعوا علي عقود قديمة بأنهم متعاقدون وغير معينين. ويعترض الشباب ويذهبون لمبني المحافظة معتصمين معترضين. ولكن لا حياة لمن تنادي!!!... فالبيروقراطية واللامبالاة تصم الآذان عن سماع أي نداء. هذا لا يعني انتهاء المشكلة من وجهة نظري. فأنا لا أكذِّب تلك الفئة. فلا داعي لخروج نسوة ورجال. والبقاء في الشارع في انتظار عطف محافظ الشرقية لحل مشكلتهم. فلماذا يتحملون خطأ غيرهم.. ومنهم سيدات معيلات. ورجال ينفقون علي أسر.. وكانت الوظيفة المفتاح السحري لبناء بيت وتكوين أسرة.. وغيرهم الكثيرون ممن لا يتسع المجال والكلام عنهم. ولكنهم يبقون قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت؟!!... فأنت لا تسلب منهم علاوات. أو بدلات. أو أجراً إضافياً.. وإنما تسلب منهم الاستقرار الذي قد يدفع الإنسان ثمناً غالياً. من أجله لا يقدر بمال.. أتمني أن يأتيني رد من أحد المسئولين. يؤكد لي خطأ ما ذكرت. حينها سأكون أسعد الناس. لأني نفيت شائعة كانت تؤرق مئات الأسر المصرية التي يعولها هؤلاء المعلمون.. أما الطامة التي لا أنتظرها أن تصم الآذان عن مشكلة كهذه وتكون النتيجة أسر لا تنام خوفاً علي مصدر دخلها الثابت. أو رهبة من مواجهة مستقبل غير مستقر.