تحية السلام حق إنساني يتساوي فيه الناس مراعاة لمشاعرهم. ومن أهم مظاهر مساواة الناس في حق تحيتهم بالسلام في الشريعة الإسلامية ما ورد من أحكام السلام علي الصبي. أو علي من لا تعرفه. وسلام الرجال علي النساء. والنساء علي الرجال. والسلام علي غير المسلم. فمن خلال بيان أحكام ذلك يتضح المعني الإنساني في السلام من جهة تساوي الناس في استحقاقه. ونبدأ ببيان حكم افشاء السلام علي الصبي أو علي من لا تعرفه. فهو من أوضح الأحكام الشرعية التي تعد مظهراً من مظاهر مساواة الإسلام بين الناس في مراعاة المشاعر النفسية أو الإنسانية» لأن أثر تحية السلام من التواد يتساوي فيه الناس دون النظر إلي سن أو سابق معرفة» والحكمة من السلام مراعاة المشاعر والأحاسيس الإنسانية. ولذلك لم تشرع التحية في حق الصغير غير المميز والمجنون والنائم» لأن حاسة الشعور منعدمة أو راقدة فيهم. وإن كان إفشاؤها عليهم جائزاً لا ممانعة فيه» نظراً لتحقق صورة الآدمية فيهم. ويدل علي استحقاق صغار السن المميزين تحية السلام ما أخرجه البخاري وترجم له بقوله: "باب التسليم علي الصبيان". عن أنس بن مالك. انه مر علي صبيان فسلم عليهم. وقال: كان النبي يفعله. ويدل علي استحقاق كل من تلقاه في الطريق تحية السلام. ولو لم تعرفه من قبل ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص. ان رجلاً سأل النبي - صلي الله عليه وسلم - اي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام. وتقرأ السلام علي من عرفت وعلي من لم تعرف". يقول الصنعاني في "سبل السلام": قال عمار: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: "إنصاف من نفسك. وبذل السلام للعالم. والإنفاق من الاقتار". ويالها من كلمات ما أجمعها للخير. ويري جمهور الفقهاء استحباب إفشاء السلام علي الصبي المميز كاستحباب إفشائه علي الكبير البالغ» للمعني الإنساني في السلام علي الكبير وهو تأليف القلب والمؤانسة. ويري الحنابلة أن إفشاء السلام علي الصغير المميز جائز وليس مستحباً كإفشائه علي الكبير البالغ في الحكم» لأن المعني في الصغير المميز هو التعليم والتأديب بخلاف معني السلام للبالغ فإنه لأداء حقه. ورد السلام من الصغير أمر حسن يدل علي حسن تربيته. وليس واجباً بالإجماع» لأن الصغير غير مكلف. كما ورد فيما رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي وصححه الحاكم بألفاظ متقاربة عن عائشة أن النبي - صلي الله عليه وسلم- قال: "رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتي يبلغ. والمجنون حتي يفيق. والنائم حتي يستيقظ". وقد ذكر الإمام النووي في كتابه "الأذكار" انه إذا لقي رجل جماعة فيكره له ان يخص طائفة منهم بالسلام» لأن القصد من السلام المؤانسة والألفة. وفي تخصيص البعض إيحاش للباقين "اي إيذاء". وربما صار سبباً للعداوة. وقد أخرج الشيخان عن أسامة بن زيد. رضي الله عنه. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - ركب علي حمار عليه قطيفة فدكيه. وأسامة رديفه قبل وقعة بدر. حتي مر بمجلس فيه عبدالله بن أبي بن سلول. وذلك قبل ان يسلم. فإذا المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود. وفي المسلمين عبدالله بن رواحة. فسلم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عليهم. ثم وقف ونزل فدعاهم إلي الله وقرأ عليهم القرآن. فهذا دليل علي ان تحية السلام شرعت لمراعاة المشاعر الإنسانية. فلا يليق بمسلم ان يخص تلك التحية لمن يعرف من الناس. بل هي تحية جميع الناس تعرفهم أو لا تعرفهم ما لم يكونوا حربيين.