الحقيقة الدامغة أننا لا نستوعب دروس الماضي. ولا نقرأ التاريخ. ولا حتي نستفيد مما جري ويجري لنا ومن حولنا.. ونُلدغ من ذات الجحر مرات ومرات.. ونخرج من التجربة بلا أي خبرة ولا استنتاج.. ونحن نري الأصابع الأمريكية تحرك قطع الشطرنج كما تشاء. ووقتما تشاء.. بينما لا تمتد أيدينا إلي طابية أو عسكري.. ونكتفي بمشاهدة السيناريو الأغرب في التاريخ. والذي رسمته ومولته أمريكا لتمزيق الوطن العربي وتحويله إلي دويلات. وبقايا شعوب متصارعة متقاتلة. تنهدم بلادها بأيديها.. حتي ما نطلق عليه نحن مرددين كالببغاء "الجيش الحر" هو صناعة أمريكية وبأسلحة وأموال أمريكية. والهدف إسقاط الدول وإدخالها في دوامة الحروب والدماء التي لا تنتهي.. فوضي مدمرة.. وليست خلاقة كما قالت كونداليزا رايس. شرق أوسط ممزق.. يعيش العصور الوسطي.. وليس جديداً علي الإطلاق. هذه المقدمة الطويلة مدخل طبيعي للتحول الأمريكي الإسرائيلي الغريب والعجيب في سياستهما نحو إيران. التي كانت بالأمس القريب عدواً لدوداً وهدفاً محدداً لضربة أمريكية إسرائيلية مؤكدة.. بمزاعم روج لها الإعلام الصهيوأمريكي. عن أسلحة نووية وتخصيب اليورانيوم الإيراني.. نفس المزاعم التي دمروا بها العراق ونهبوا بتروله. وثرواته.. في الوقت الذي تمتلك فيه إسرائيل من النووي والذري والكيماوي ما يكفي لفناء الكرة الأرضية من أدناها إلي أدناها.. أصبحت إيران في لمح البصر صديقاً حميماً لأمريكا. وقبل أن تنزعج إسرائيل من هذا التقارب.. أدركت علي الفور من خلال الزيارات الأمريكية لتل أبيب المغزي الخفي من وراء هذا التقارب والذي لا يمكن أن يكون لصالح إيران علي حساب إسرائيل.. وإنما مجرد تحريك قطعة شطرنج لزم تحريكها مؤقتاً ليكش الملك. وأن يلقي مصيره المحتوم علي يد "الطابية الأمريكية" التي تتحرك في كل اتجاه. * * * وأنا شخصياً.. توقعت هذا التغيير والتقارب الأمريكي الإسرائيلي بعد سقوط حكم الإخوان في مصر. والذي كانت أمريكا تعول عليه كثيراً.. في تنفيذ بعض المهام. واستخدامه جيداً لتحقيق مآربها. وزاد يقيني في هذا التقارب الأمريكي نحو إيران بعد الوقفة العربية التاريخية من جانب المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات العربية المتحدة. ومملكة البحرين. والمملكة الأردنية ودعمهم المحمود لمصر. قلب الوطن العربي الذي ينبض دوماً بالعروبة ويحمل علي كاهله هموم أمة.. وكانت هذه الوقفة العربية لطمة قاسية للأمريكان.. فتحركوا نحو "البعبع" التقليدي الذي يستخدمه الأمريكان لإرهاب الخليج وهو إيران.. وعندما دقت طبول الحرب من جانب إسرائيل وعلت وتيرة اقتراب تل أبيب من توجيه ضربة جوية لإيران. قلت: إن أمريكا لن تضحي بإيران "البعبع" الذي تبتز به الخليج.. خاصة بعد أن تخلصت من العراق.. ولم يبق سوي إيران التي يمكن أن تلاعب بها دول الخليج وقت اللزوم. وقد لزم الأمر لهذا التقارب لإظهار العين الحمراء للسعودية والإماراتوالبحرين بسبب دعمهم لمصر ولم تقم أي اعتبار لدولة في حجم السعودية وتعاونها الطويل مع أمريكا.. بل إن إسرائيل نفسها خرجت لتقول إن إيران ليست عدواً!!.. وقال الرئيس الإسرائيلي إنه علي استعداد للقاء الرئيس الإيراني. هذه الحميمية المزيفة والأسلوب المكيافيللي الأمريكي الإسرائيلي في التعامل مع قضايا المنطقة.. ألا تحرك في الدول العربية الحنين إلي الوحدة القائمة علي العروبة والمصير المشترك وليس علي المصالح الوقتية وتجنب أن نكون قطع شطرنج يحركها الأمريكان وقت اللزوم. * * * تخلي الأمريكان عن أي حليف عربي في لحظة.. ألا يدعونا لإعادة النظر والتعامل معها بنفس الأسلوب المكيافيللي. والغاية التي تبرر الوسيلة.. ألا يدعو هذا دول الخليج لاستثمار أموالها التي تحرك الاقتصاد الأوروبي والأمريكي. ولولا أموال العرب واستثماراتهم في أوروبا وأمريكا.. لانتهوا وأفلسوا!! إن مستقبل العرب لن يكون إلا بوحدتهم وتعاونهم وتكاملهم الاقتصادي والتجاري والسياسي.. إننا نحن العرب نملك مقومات الوحدة التي لا يملكها الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك توحد رغم اختلاف اللغة والحدود والتوجهات.. ونحن نملك وحدة اللغة والوطن والدين والحدود والعادات والتقاليد والتاريخ والمصير المشترك. والثروات الطبيعية والبشرية التي لا تتوفر لغيرنا.. والأجدي والأحري أن نتوحد ونحبط المخطط الصهيوأمريكي. لتقسيم وتمزيق الدول العربية.. علينا أن نستوعب دروس العراقوسوريا وليبيا والسودان.. قبل أن تدور الدائرة علي ما تبقي من العرب. وسبق أن قلنا إن صدام لن يكون الأخير.. وقد حدث.. وقلنا إن تفتيت العراق البداية. وقد حدث.. وقلنا إن بشار ليس الهدف. وإنما إسقاط سوريا هو الغاية.. وقد حدث. درَّب الأمريكان. وسلحوا الجيش الحر. ليس لصالح الشعب السوري. الذي يُباد من جميع الجوانب. ولكن الهدف الحرب الأهلية وإدخال سوريا دوامة العنف الذي يحرق الجميع. ويسقط الوطن.. ولو كان هدف الأمريكان شخصياً لفعلوا فيه ما فعلوه في "بن لادن".. ولكن الهدف إسقاط الدول بأيدي شعوبها تحت شعارات ثورية. ومزاعم تنطلي علي الشعوب غير الواعية التي تدمر بلادها بأيديها. وبدعم الطابور الخامس الذي صار في كل مكان. في الشارع وفي منابر الإعلام. وبين الشباب الأبرياء المغرر بهم.. علينا أن نستوعب الدرس ونلملم الشتات ونوحد الصف ونحمي أوطاننا من المخططات الصهيوأمريكية قبل فوات الأوان والبكاء علي اللبن المسكوب!!