هل يدوم الحب حتي بعد الموت؟ إن البعض يشك في استمرار الحب بعد الزواج.. فماذا يكون شأنه بعد الموت؟! تجيب علي هذا السؤال قصة المهندس العجوز كمال محمد خالد المواردي "81 سنة" الذي فقد زوجته جودي فؤاد "83 سنة" بموتها بعد صراع مع المرض داخل شقتهما بالعقار رقم 15 بشارع سوق التوفيقية بمنطقة الأزبكية بوسط العاصمة وقيامه باخفاء خبر الوفاة عن جيرانه وأقاربه وعدم الخروج من المسكن ونومه في أحضان الجثة بلا طعام أو شراب دون أن يشعر أحد به باصرار منه علي الموت بجوارها حزنا علي فراقها وحتي لا يعيش وحيدا بعد دفنها خاصة انهما لم ينجبا أولادا. شاء القدر أن تنكشف المأساة الحزينة بالصدفة بعد أن فاحت رائحة الجثة بين سكان العمارة الذين لم يتحملوها بعد خمسة أيام فطرقوا الباب واتصلوا بهما تليفونيا بلا فائدة مما اضطرهم للاستعانة برجال الشرطة لكسر الباب بمساعدة البواب بعد اتخاذ الاجراءات القانونية ليجدوا السيدة في حالة تعفن علي السرير وبجوارها الزوج المهندس في حالة اعياء شديد وتم نقله للمستشفي لانقاذ حياته قبل ان يلفظ أنفاسه الأخيرة بجوار جثمانها الذي ظل بجواره طوال تلك المدة بهذا الشكل المأساوي لعشق كل منهما للآخر بجنون وعدم تحمله الحياة بدونها حتيانه توسل للمقدم محمد رضا رئيس المباحث ومعاونه الرائد مجدي عرفة بالدموع أثناء نقله للمستشفي بسيارة الاسعاف ان يتركوه يموت بجوارها رحمة به مؤكدا انه لم يشتم الرائحة التي أصابت سكان العمارة كلها بالرعب والفزع ولم يتحملها أحد من جيرانه والذين أصبحوا الآن يعيشون في أحزان علي تلك النهاية المأساوية التي لم يتخيلها أحد فهي قصة من واقع الحياة لكنها أغرب من الخيال جسدت كل معاني الحب والوفاء والاخلاص الذي يندر وجوده في هذا الزمن. حدوتة مصرية لنروي قصة هذا المهندس مع شريكة عمره الراحلة فقد أصبحت حكايتهما "حدوتة مصرية" حقيقية لكل من عرف بها وسمع عنها فهي لم تتكرر من قبل وأكبر من حكايات وأساطير العشاق بطريقة روميو وجوليت وقصص الأفلام الشهيرة ولنكشف حكايتهما كما رواها أقاربه وجيرانه وننفرد بها كما انفردنا بنشرها من قبل فهو مهندس قاهري الأصل من عائلة كبيرة وحيد والديه وكان له اخت غير شقيقة متوفية الآن .. التحق بمراحل التعليم المختلفة وأصبح مهندسا في نفس الوقت الذي درس فيه "الباليه" وأصبح مدربا في فرقة رضا الشهيرة وعمل بها لمدة 15 عاما. ارتبط في بداية حياته ومنذ حوالي 60 عاما بقصة حب عنيفة مع "جودي" جميلة الجميلات عن طريق اخته غير الشقيقة التي كانت صديقة لها فهي فتاة "شامية" الأصل ليست مصرية ولكنها كانت تعيش مع أهلها بالقاهرة وكان لها شقيقة واحدة مهاجرة في كندا منذ زمن ولايعرفها أحد اشتعل الحب بين "كمال وجودي" وتزوجا رغما عن انف الجميع وتركت العروس ديانتها واسلمت من أجله وعاشا سويا ومرت حياتهما هادئة بكل حب وتفاهم وطبقا لرواية كل من يعرفهما فقد كانت هي الأخري انسانة علي قدر المسئولية وتقدس الحياة الزوجية "وست بيت شاطرة" كما يقولون يتبادلان الحب وتغار عليه من نسمة الهواء يسعي كل منهما لارضاء الآخر واسعاده. لم يؤثر عدم انجابهما علي علاقتهما لحظة واحدة ولم يفكر أي منهما في التوجه للأطباء لمعرفة السبب عند مين كما يحدث الآن من انفصال ومشاكل بين الكثير من الأزواج بعد شهور قليلة من الزواج لهذا السبب الذي لم يكن له أهمية بالنسبة لهما وبالعكس فقد اتفقا علي ان يعيشا لبعضهما فقط. سفر ورحلات هكذا تعاهدا علي الحب والوفاء والاخلاص بلاشك أو خيانة وغدر.. حياتهما كلها شهر عسل وكأنهما روح واحدة استمرت بهذا الشكل وعلي "الحلوة والمرة" بتفاهم وبدون زعل ولو لمرة واحدة كل منهمايعرف طباع الآخر وما يريد من خلال نظراته ولايفعل ما يغضبه لذلك لم يتفرقا يوما واحدا. عندما فكر المهندس كمال في السفر للعمل بالسعودية في التسعينيات أخذ معه زوجته "جودي" من أول يوم وبعد العودة للقاهرة والاستقرار فيها قررا الاستمتاع بالحياة حتي لا يعرف الملل طريقه اليهما وكانت هوايتهما دائما السفر للغردقة والعين السخنة وشرم الشيخ ورحلات "السفاري" الجبلية بالخيام لعدة أيام بحب وحرصا كل منهما علي اسعاد الآخر بالتصرفات والأفعال وليس بالكلام لأن سعادة أي منهما كانت في اسعاد الاخر ومراعاة مشاعره. بهذه الطريقة مر العمر سريعا وتخطيا ال 70 عاماً وأصبحا غير قادرين علي الخروج بنفس الطريقة وأصيبا ببعض أمراض الشيخوخة ولكن حبهما لم يتأثر وظل مشتعلا وهو ما كان يلاحظه الأقارب والجيران داخل العمارة وأثناء سيرهما بالشارع برشاقة يمسك كل منهما بيد الآخر بطريقة يحسدان عليها وبذلك كانت حياتهما حديث الناس ونموذج للحياة الزوجية الناجحة بالحب والوفاء وعدم الغش والخداع إلي ان كانت النهاية الحزينة. في دار المسنين المهندس العجوز بطل هذه القصة تم انقاذ حياته وعلاجه بالمستشفي من هبوط شديد في الدورة الدموية وانخفاض في الضغط لعدم تناوله الطعام وهو بجوار زوجته وحيدا طوال الخمسة أيام حتي يكون معها في الآخرة كما كان يلازمها دائما في الدنيا. رفض بعد اسعافه العودة لشقة الزوجية التي قضي عمره كله فيها لأن كل ركن داخلها يذكره بحياة العشق والغرام وذكريات لا تنسي مع محبوبته الراحلة وقد قام بعض الأصدقاء والأقارب بايداعه دارا لرعاية المسنين بالقاهرة بعد ان أصبح وحيدا في هذه الدنيا فهما بلا أولاد كما انه ليس له اشقاء ويشعر دائما بأن أيامه بدونها أصبحت معدودة وهو ما يلاحظة الجميع من داخل دموعه المستمرة ونظراته الحزينة وحالة الصمت وهو يلازم الفراش. رغم مرور أسبوع علي تلك المأساة لم تتحسن حالة المهندس كمال بل ازدادت سوءا بسبب الصدمة التي اصابته وجعلته يرفض الكلام مع أحد ويطلب أن يظل وحده يرفض الطعام يتناول بعض العصائر والزبادي بصعوبة من المحيطين به والمترددين عليه من الأقارب والأصدقاء القدامي الذين يعرفون كيف كانت مشاعره مع شريكة العمر الراحلة التي لم يتركها يوما واحدا وكانت كلها حب وعطاء لا ينقطع لا يتكلم مع أحد من هول الصدمة يردد فقط "جودي.. راحت" فقد استمرت حياته معها 60 عاما كانت عبارة عن شهر عسل ورحلات هنا وهناك وكان كل منهما لا يري غير الآخر لذلك فهو يرفض الأمر الواقع ولا يريد الحياة بدونها. روايات الأهل والجيران * أكدت علا السخاوي "50 سنة" احدي قريباته ان المهندس كمال حسن يعتبر في مقام الخال ولم تتخيل لحظة واحدة نهايته بهذا الشكل الحزين وانه سيرفض الحياة بدون زوجته ويحاول الموت بجوارها ولكن ربنا ستر. قالت انها كانت دائمة الاتصال به والاطمئنان عليه تليفونيا من وقت لآخر وقبل اكتشاف ما حدث لم تجد من يرد عليها مما جعلها تشعر بالقلق وفي آخر مكاملة فوجئت بالجيران والشرطة بالشقة فاسرعت الي هناك مع أسرة صديق عمره الحاج محمد سعيد الذي كان يسأل عنه باستمرار وانهم الآن لن يتركوهم ويقفون بجواره في محاولة للخروج من تلك الأزمة والحالة النفسية السيئة. أضافت قريبتها مها بركات أن المهندس كمال كان في مقام العم وكنا نسمع دائما عن حياة الرومانسية التي يعيشها مع زوجته رحمها الله ولم أتصور تلك النهاية المؤلمة ونحن الآن نقف بجواره ورعايته بدار المسنين مع الأصدقاء الذين يترددان عليه أيضا للتخفيف من آلامه. أما جارته مدام سحر المقيمة بالطابق الخامس الذي يعلو شقته والتي كانت في مقام الابنة بالنسبة لهما فقد قررت أنها أول من دخل مع قوات الشرطة وشاهدته بجوار جثة زوجته وهو في حالة اعياء شديد وكاد يغمي عليها من هول الصدمة وشاركت في تغسل زوجته التي تم دفنها بمقابر زوجها بالقاهرة وتتمني له ان يعبر هذه الأزمة بسلام مشيرة الي انه كان مثلا أعلي وقدوة في كل شئ وعشقهما كان يعرفة الجيران وسكان الشارع. يقول بواب العمارة حنفي محمود "52 سنة" الذي يسيطر عليه الحزن ان المهندس كمال وزوجته لم يبخلا عليه بشئ وتعاملا معه كأخ لهما وليس حارس عقار وهو حتي الآن لا يصدق ما حدث وكأنه كابوس ولا يدري كيف عاش هذا الرجل العجوز خمسة أيام كاملة في أحضان جثة زوجته المتوفاة فقد اثبت فعلا أن الحب يصنع المعجزات. العقل الباطن وعن رأي علم النفس في تلك القصة الغريبة التي أصبحت حديث الناس في كل مكان قالت الدكتورة رضوي سعيد عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بجامعة القاهرة أن وفاة زوجة هذا الرجل كان يعني بالنسبة له نهاية الحياة لأنه عرف معني الحياة وعاش معها وهو لا يتحمل صدمة وفاتها فلا يرغب في الوجود بدونرفيق العمر التي كانت بالنسبة له الأم والأخت والحبيبة والأبنة وكان هذا الشعور هو المسيطر عليهما خاصة مع عدم الانجاب. أضافت أنه كان يستقي وجوده من وجودها وموتها بالنسبة له يفقده معني الوجود لأن العقل الباطن يسيطر عليه دائما بما يعني لماذا أعيش ولمن اعيش بعدها فقد كانت كل دنيته وفقدانها نهناية العالم. أوضحت د. رضوي أن تركيزه واصراره علي ان يفارق الحياة كانه بدافع وأحساس داخلي بأنه سيلتقي محبوبته مرة أخري في الآخرة كما كان يلازمها في الدنيا لدرجة انه فقد الاحساس بالطعام والشراب وأصبح في حالة عدم الوعي وتحت تأثير صدمة فقدانه لزوجته وهو بذلك شعر أنه فقد نفسه وكل شئ في الدنيا وحياته بدونها أصبحت مستحيلة.. فتحية تقدير واحترام لهذا الرجل الوفي بكل ما تحمل الكلمة من معني ونتمني له ان يعبر تلك الأزمة بسلام. * أما الدكتور محمود محيي الدين استاذ ورئيس قسم الصحة النفسية بجامعة الأزهر فقال في تعليقه علي تلك المأساة بأن تصرف هذا الرجل غير طبيعي وان شدة حبه لزوجته وعشقه لها أدي لعدم شعوره بتلك الرائحة لتعطل حاسة الشم التي دفعته لتحملها باحساس داخلي تلقائي ولا شعوري. أوضح ان حالة الاحباط التي وصل اليها بعد فقدان زوجته جعلته لا يتخيل موتها وكأن الحياة ستعود اليها مرة أخري وهو ما أدي لاصابته باكتئاب حاد حتي أصبحت حياته لنفسه بلا قيمة وبالتالي فقد أحق الدنيا وتمني ان يرحل عنها مع زوجته ليكون بجوارها في الآخرة فهو رجل بكل ما تحمل الكلمة من معني وشخصية قليلة الوجود وبهذا الشكل المحترم وتكرار هذا التصرف سيكون نادرا ونتمني له ان يخرج من تلك المحنة بخير وسلام وذلك بمساعدة الأهل والأصدقاء المحيطين به. تعلق مرضي * وقالت الدكتورة انشاد عز الدين أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة المنوفية إن تصرف هذا الرجل بعد وفاة زوجته كان لشدة ارتباطهما ببعض "تعلق مرضي" أدي إلي عدم قدرته علي فراقها بعد الموت كما انه يتضح مما حدث أن كل منهما اختزل حياته في الآخر فقط بعيدا عن العالم الخارجي وهي حالة فريدة من نوعها وتضحية حتي الفناء. أضافت ان الصدمة أفقدته صوابه عن التصرف الصحيح في مثل تلك الظروف وقرر الموت بجوارها باشارات من العقل الباطن وباحساس داخلي سيطر عليه لكن ارادة الله انقدته في اللحظات الأخيرة ولكنه سيظل بهذا الشكل باقي أيامه في الدنيا علي ذكراها لتعلقهما الأبدي ببعضهما البعض وهي مأساة بكل ما تعني الكلمة من معني ولن تتكرر كثيرا.