تحتفل مصر وشعبها العظيم هذه الأيام بالذكري الأربعين لنصر أكتوبر المجيد.. يأتي الاحتفال هذا العام في ظل أجواء وظروف وتحديات كبيرة تتشابه كثيراً مع ما شهدته مصر أيام أكتوبر 73 وما قبلها بعد نكسة 1967 التي أصابت الشعب المصري والأمة العربية جميعها بحالة من الصدمة والخزي والعار. أول هذه التحديات هو ما نلمسه بشدة حالياً ويتمثل في التفاف الشعب المصري حول جيشه العظيم لمحاولة الخروج من النفق المظلم الذي أوقعنا فيه حكم الإخوان المسلمين.. وترتب عليه انتشار الجماعات الإرهابية والتكفيرية بسيناء وبعض المناطق الأخري كدلجا وكرداسة وناهيا وغيرها وتهديدها الدائم لأمن الوطن والمواطنين مما استلزم تطهيرها وتحريرها.. وهو يتشابه كثيراً مع ما قام به الشعب المصري والتفاهم حول رجال القوات المسلحة عقب النكسة مما كان له أبلغ الأثر في رفع روحهم المعنوية واستطاعوا تحدي الصعاب وواصلوا الليل بالنهار في عمليات التدريب والاستعداد لمعركة التحرير ورد الكرامة في 73 وتحقق لهم ما أرادوا.. بفضل عزيمتهم ورغبتهم الجارفة في تحرير الأرض وتلقين العدو الإسرائيلي درساً لن ينسوه وأنهوا بحق أسطورة الجيش الذي لا يقهر.. خاصة أن كل معاهد الحرب والعسكرية العالمية أشارت إلي عدم قدرة الجيش المصري علي مهاجمة إسرائيل بعد التحصينات الدفاعية الرهيبة التي أقامها الجيش الإسرائيلي علي قناة السويس وتمثلت في خط بارليف الحصين والسد الترابي الهائل. إضافة للتفوق الواضح في مختلف أنواع السلاح والذي حرصت أمريكا علي توفيره لإسرائيل لضمان قدرتها علي الانتصار في أي حرب ضد مصر والأمة العربية.. ومع كل هذا فقد استطاع المقاتل المصري الشجاع التغلب علي كل هذه التحديات وحقق النصر بفضل وتوفيق الله سبحانه وتعالي وبفضل عزيمته وإرادته ورغبته في تحقيق حلم الشعب المصري. هذا الموقف برهن للعالم أجمع كيف يمكن لصمود شعب وشجاعة قياداته وقدرته علي اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة في لحظات فارقة أن يفرضوا حقائق ميدانية علي المعادلات الاقليمية والدولية.. وهذا ما يعيشه الشعب المصري هذه الأيام بعد أن انتفض وخرج إلي ميادين الحرية وعبر بشجاعته وصموده عن رفضه لنظام ديكتاتوري فاسد فخلعه في 25 يناير.. وأكمل ثورته في 30 يونيه علي نظام استبدادي فاشي أضر بمصالح الشعب في عام ما لم يستطع نظام مبارك أن يفعله في 30 عاماً فكان مصيره كسابقه.. وفي الحالتين كان الجيش منحازاً إلي إرادة الشعب وحمي ثورتيه.. وها هو الآن يقود معركة تحرير سيناء مرة أخري من الخارجين علي القانون والذين أتوا إليها من كل فج عميق لتنفيذ سياسات صهيونية عدائية لمصر وأمنها ووحدتها. مع بداية الثورة الثانية في 30 يونية كان رد الفعل الدولي يتجه إلي الإدانة والتهديد والتلويح باعتباره انقلاباً عسكرياً.. ولكن مع صمود الشعب المصري وشجاعته ومساهمته في إثبات أن ما قام به الجيش ما هو إلا حماية للإرادة الشعبية تغيرت البوصلة تماماً في اتجاه مصر وشعبها.. وهنا لابد ألا ننسي الموقف المشرف للمملكة العربية السعودية والأشقاء في الإمارات والبحرين والكويت الذين ساندوا موقف الشعب المصري داخلياً وخارجياً.. وهو أيضاً ما أعاد للذاكرة موقفهم ودعمهم لمصر وسوريا في حرب 73 ضد المستعمر الصهيوني الغاشم حتي تحقق لهما النصر في معركة العزة والكرامة. إن استعادة ذكريات هذه الأيام المجيدة في تاريخ مصر والأمة العربية ليس مجرد حنين لمرحلة مشرفة من حياتنا وتاريخنا فقط وإنما هي دعوة لقراءة ما هو مشترك بين تلك المرحلة التي جسدت انصهار الشعب مع الجيش ووقوفه خلف قياداته ومع ما يجب أن نكون عليه الآن كي نعبر بمصرنا إلي بر الأمان.