علي الأرصفة وفي الميادين الرئيسية يجلسون بالعشرات وجوه صفراء وأجساد نحيله وعيون تتعلق بأي سيارة تقف.. يقفز الجميع في تزاحم غير إنساني للفوز بفرصة عمل ليوم واحد وقد تمر أيام بعده لا يجدون قوت يومهم.. وأنهم "عمال التراحيل" الذين تتزايد أعدادهم كل يوم بينما تقل فرص عملهم بسبب توقف حركة البناء من جهة واستعانة كثير من الشركات بالعمالة الأسيوية وقيام ملاك الأراضي بطرد المستأجرين منها وتحويلها لمبان!. فتحي عبدالصمد 85 سنة من المنيا يقول أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من خمسين عاماً وأقيم بالقاهرةپفي حجرة يشاركني فيها عدد كبير من العمال ونتقاسم إيجارها بالكاد كنت أستطيع توفير نفقات المعيشة أما الآن وقد بلغت هذا العمر فنادراً ما يستعين بي أحد لضعف قوتي ولا أستطيع مزاحمة الشباب للوصول لصاحب العمل ولا يوجود مصدر دخل آخر أو معاش أو تأمين صحي ومع ذلك انتظر الرزق أفضل من التسول وطلب الصدقة والإحسان. ملاك الأراضي طردونا ويضيف سعودي علي من أسيوط أن صعيد مصر يعاني من الفقر والبطالة خاصة بعد قيام ملاك الأراضي بطرد المستأجرين منها وتجريفها وبيعها مباني لتحقيق الكسب السريع بينما لم تلتفت الحكومات لمأساة هؤلاء الفلاحين بعد فقد مصدر رزقهم الوحيد فنزح أغلبهم للعاصمة بحثاً عن الرزق لكننا فوجئنا بعدم وجود فرص للعمل سوي مهنة عمال التراحيل نخرج كل صباح ننتظر من يستخدمنا في أعمال الهدم والبناء أو التشوينات وأحيانا تمر أيام دون عمل ونظل ننتظر. أحمد عبدالله 19 عاما يقول تركت بلدتي في بني سويف بحثاً عن باب للرزق أنفق منه علي والدتي وأربعة أشقاء بعد وفاة الوالد ولم أجد سوي الجلوس بجوار "الفواعلية" في انتظار فرصة عمل قد تأتي وقد لا تأتي أنا طالب بالصف الثاني الثانوي الصناعي واحتاج لتوفير مصاريف المدرسة إلي جانب احتياجات الأسرة لذلك اقضي يومي بوجبة واحدة من الفول والطعمية ورغيف عيش. ويضيف أحمد كثير من العمال من حملة المؤهلات المتوسطة وانضم إلينا موخراً المؤهلات العليا حيث يوجد بيننا خريج كلية الحقوق وآخر آداب بتقدير جيد جدا وطرق كل الأبواب ولكن وقفت الواسطة والمحسوبية حائلاً بينه وبين أحلامه فلم يجد سوي الانضمام إلينا في انتظار الرزق يوما بيوم بدلاً من أن يكتسب لقب عاطل كل هؤلاء الشباب يمكن الاستعانة بهم في المصانع والشركات أو توزيع أراضي الاستصلاح لتحقيق مشروع النهضة المنشود. الهنود يزاحمونا محمد محمود من منشية ناصر يقول انه يعول أسرة من زوجةپوسبعة ابناء ويعيش تحت صخرة المقطم ليس له دخل ثابت ولكنه يكافح من أجل توفير مصاريف المدرسة لأبنائه ولا يعلم مصيرهم إذا ما أصابه مرض أقعده عن اعمل يقول: بالكاد نوفر احتياجات أسرنا فالحالة الاقتصادية التي تمر بالبلاد أثرت علي مجال البناء والتشييد وما زاد الطين بلة اغلاق الكثير من المصانع وتشريد العمالة الذين انضموا إلينا ومنهم الهنود والفلبينيون وهم يطلبون أجر يومي أقل فيستعان بهم ونظل نحن أصحاب البلد بلا عمل. سلامة عبدالونيس من بني سويف يعمل في التراحيل منذ عشرين عاماً ولكنه أصيب بإنزلاق غضروفي منعه من العمل ولم يجد بعد سنوات الشقاء ما يضمن له حياة كريمة ويتساءل أين الحكومة من هذه الفئة التي تمثل نسبة كبيرة من العمالة المصرية وكيف يتركون كل هذه الأسر بلا دخل ولا تأمين علي الرغم مما يتعرضون له من متاعب وخطورة حيث يموت كل يوم العشرات من عمال التراحيل دون أن يكون لهم معاش يؤمن احتياجات أسرهم. احساس العبودية يشاركه الرأي فاتح محمد من أبوقرقاص قائلاً: عدد عمال اليومية في مصر كبير جدا ولكن لايجد من يقف بجانبه للغالبية العظمي تعاني الفقر والجهل والبطالة في بلدتهم لذا توجهوا للمدن الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية بحثاً عن الرزق ومنا من ورث هذه التركة الثقيلة أباً عن جد وعلي مر السنوات لم يتبدل الحال ولم تنظر إلينا أي جهة مسئولة ولم يتغير إحساس العبودية الذي نشعر به عند تعامل المقاولين لنا فالتفاوض علي اليومية ينتهي لصالح المقاول لانه يعلم مدي احتياجنا للعمل واذا رفضنا فالله وحده يعلم متي يأتي غيره وغالباً ما نعمل طوال اليوم وعند الحساب يستقطع المقاول مبلغا دون وجه حق " واذا كان عاجبنا" ونضطر للقبول مع الحمد والشكر. ويلتقط إبراهيم عبدالمنعم طرف الحديث قائلا كنا نتمني التغيير بعد ثورة يناير ولكن لا فائدة فالغني ازداد غني والفقير ازداد فقراً ولم يستفد من الثورة سوي الموظف الذي زاد مرتبه وأصحاب المصانع والمحلات الذين رفعوا الأسعار وهناك من يعتصم لزيادة راتب أو بدل أو مكافأة وبين كل ذلك لا يرانا أي مسئول وكأننا نعمل تحت أقدام سكان هذا الوطن لا نحتسب من بينهم حتي في عيد العمال لا ينوبنا منحة ولا زيادة في المرتب فنحن فئة من العمال لا عيد لهم. ويشير أحمد السيد من حلوان نعاني قبل الثورة وبعدها كنا نطارد من الشرطة والحي فنحن من وجهة نظرهم عمالة غير شرعية تحتل الطرق أما بعد ثورة يناير لا توجد شرطةپتطاردنا ولا بلدية تعمل لتهاجمنا حل محلهم البلطجية الذين يأتون إلينا كمقاولين يجمعون بعضنا في سيارة ويتوجهون بنا للمقابر ويستولون علي ما معنا من عدد هي كل ما نملك للعمل فإذا اعترضنا نتعرض للضرب واحيانا للموت فنضطر للرضوخ لهم ونعاني لاستئجار عدة أخري لحين توفير ثمن عدد جديدة. وبمواجهة عاطف أبااليزيد أمين صندوق النقابة للعاملين بالبناء والأخشاب قال: العاملون ياليومية جزء هام من الاقتصاد غير الرسمي يجب علي المسئولين الاهتمام به حيث يمثل نسبة لا تقل عن 40% من العمالة في مصر النقابة تحاول بالتنسيق مع مستشار التأمينات توفير السيولة المادية لدعم مشروع التأمين الاجتماعي والصحي لهذه الفئة عن طريق استغلال المبالغ الموردة للتأمينات الاجتماعية من المقاولين عند استخراج رخصة البناء وكذلك مستخلصات أعمال التشوينات والتوريدات والتي تعتمد علي العمالة اليومية ويسدد عنها التأمينات عن عدد العمالة دون اسماء محدودة ولا يستفد منها العامل نسعي للاستفادة من هذه الأموال التي تصب في التأمينات دون الرجوع بالنفع علي العمالة المؤقتة. ويناشد أبا اليزيد المسئولون بوضع شروط للعمالة الأجنبية من أهمها أن تكون من خلال النقابة حتي لا تنافس العامل المصري الذي لا يجد عملا أصلاً خاصة وأن العمالة الأسيوية تتميز بانخفاض الأجر وتحمل العمل الشاق.