معاناتهم لا تتوقف عند الحصول علي فرصة عمل بل أنهم إذا تحدوا العزلة وسخرية الاسوياء وخرجوا للمجتمع لا يجدون وسيلة مواصلات عامة تناسب قامتهم القصيرة التي لا تتعدي متراً واحداً ويضطرون لطلب المساعدة من غيرهم للصعود لوسيلة النقل وحتي الصعود علي الارصفة الموجودة بالشارع وسلم المترو وسلالم المساكن التي يقيمون فيها بعضهم استسلم لقدره.. وبعضهم الآخر تمرد علي تجاهل المجتمع فقرروا الانضواء في جميعات تحمل لواء مطالبهم. "التقزم" مصطلح يشير إلي خلل يسبب تباطؤ النمو لدي الاطفال قد يرجع إلي وجود طفرة جينية أو نقص في اتزان الهرمونات نتيجة نقص التغذية لكنه لايشكل إعاقة ذهنية وقصار القامة نوعان منهم المتناسق ويكون الجسم كله قصير وحجم الاعضاء متساوي والآخر غير متناسق حيث يكون القصر في الاطراف أو الجذع فقط. وقد أبرزت نقوش الحضارة الفرعونية وجود الاقزام بالدولة المصرية القديمة وتمتعهم باحترام المصريين لهم وتوليهم المناصب الرفيعة فأحدهم كان وزيراً وتزوج من إحدي وصيفات القصر الفرعوني وبمرور الزمن تلاشي الاهتمام بهذه الفئة وغابت نظرة الاحترام والتقدير من عيون الناس لهم فأصبحوا مهمشين لايلتفت إليهم مسئول لبحث مشاكلهم في محاولة لحلها. حلم الحصول علي شهادة التأهيل يقول عصام شحاتة إن عدد الاقزام في مصر 70 ألفاً وهي نسبة 35% تقريباً من الاقزام بالعالم وهم ليسوا أكثر حظاً من المعاقين المعترف بهم من الدولة كنسبة 5% من لهم كثير من الحقوق بينما قصار القامة فئة ليس لها هوية حيث لايعترف بهم من ذوي الاحتياجات الخاصة حتي يمكنهم الحصول علي كارنيه التأهيل المهني وفي ذات الوقت غير مصنفين في القوانين كقصار قامة لهم حقوق علي الوطن الذي يعيشون فيه فأكثر المشاكل التي تواجه قصار القامة هي عدم توافر فرص العمل التي تضمن لهم حياة كريمة حتي أصبحت نسبة البطالة بينهم تصل إلي 95% ولجأ البعض منهم للعمل باليومية في مجالات شاقة كنجار مسلح أو في ورش تصليح سيارات لتوفير قوت يومه ومصاريف أسرته مما يعرضهم للمشقة البدنية والخطورة علي حياتهم. إعداد الأقزام نسرين حامد- أمينة المرأة بجمعية قصار القامة- تقول ولدت مع أخ توأم وأراد الله تعالي أن أكون من قصار القامة في حين أن أخي طبيعي مما وضعني في حالة نفسية سيئة منذ خروجي للحياة ولكن كان لأسرتي الفضل الاول في إذابة الاحساس بالفرق بيني وبين شقيقي واندماجي مع المجتمع إلا أن معاناة القزم في مصر ربما أكثر من أي دولة أخري بالعالم بسبب نظرة الناس الساخرة والتعامل معه كحالة شاذة وكثيراً ما نتعرض للاستهزاء وإلقاء الحجارة من الاطفال والغريب ان ذلك يكون بمباركة والديهم لذا قررت عند إنشاء هذه الجمعية تولي مسئولية رعاية الاطفال الاقزام التي تتراوح أعمارهم بين عامين و15 عاماً وإعدادهم نفسيا للتعامل مع المجتمع كالاسوياء وغرز بذور الثقة في أنفسهم خاصة الفتيات فلا مجال للتنازل في سبيل البحث عن شريك الحياة الذي يقبلها بهذه الحالة التي لاتنقص من شأنها علي الاطلاق. وتضيف نسرين أنه من خلال هذه الخطوة يتم كسر حاجز العزلة الذي فرضه القزم علي نفسه خوفا من مواجهة المجتمع مع العلم انه من خلال الاجتماعات الشهرية التي يجتمع فيها الشباب والفتيات كانت هناك حالة زواج حديثة وبذلك يمكن المساهمة في الحد من مشكلة العنوسة بين الاقزام الذين لايطلبون سوي "الحق في الحياة الكريمة" ببتوفير ما يساعدهم في الوصول لهذا الحق. تسرب من التعليم يشاركها الرأي أحمد عبدالرازق- أمين صندوق الجمعية- إن إنشاء هذه الجمعية كان الهدف منه أن يجتمع الاقزام لبحث مشاكلهم سويا وكسر حاجز الخوف من مواجهة الناس وعرض مطالبهم كفئة عانت من التهميش في الدولة فهناك بعض قصار القامة في مصر لم يخرجوا من منازلهم لمدة تزيد علي 18 عاما ولم يستخرج بطاقة رقم قومي خوفا من التعامل بسخرية وتهكم من الناس بالشارع. إعادة اكتشاف المواهب كما أكد أحمد أن من هؤلاء الاقزام من يمتلك مواهب يعاد اكتشافها من خلال جمعيتهم مثل التمثيل وكتابة الشعر والقصص والرقص بالتنور المصرية وخرج منهم بطل بالعاب القوي حصل علي ميداليات وشهادات تقدير من أمريكا وغيرهم الكثير ويناشد كل أسرة لديها طفل قصير القامة أن تتعامل معه كالاسوياء ولا تعزله عن المجتمع وتزرع بدخله الثقة علي المواجهة حتي يكتسب الخبرة في التعامل مع الواقع ويضيف إن بعض قصار القامة قد حصلوا علي شهادة التأهيل المهني بحكم قضائي فلما لايقنن وضع الاقزام جميعا بالمثل بدون اللجوء إلي القضاء حيث إن غالبيتهم لايملك المقدرة المادية لرفع قضية. حسن محمود محمد- مأمور جمركي- يقول إن الاقزام لديهم المقدرة علي الدراسة والعمل والابداع إذا اتيحت لهم فرصة الاندماج في المجتمع وتوفير فرصة عمل تناسبهم فقد حالفني الحظ في الحصول علي فرصة عمل بدون الحاجة لشهادة التأهيل وبعدها حصلت علي دبلومة في الدراسات الجمركية وأخري في الدراسات الضريبية وحالياً أسعي للحصول علي دبلوما في الحاسب الآلي ولكنني أعاني مثل فئة الاقزام من تجاهل المسئولين لحقوقنا المشروعة في حياة كريمة وسوء معاملة المجتمع لنا خاصة وان ثقافة الشارع المصري قد توقفت عند الصورة التي جسدتها مشاهد الافلام والمسرحيات عن القزم لاشاعة جو من الفاكهة والمزاح والتي يقبلها بعض الاقزام علي انفسهم لعدم وجود مصدر دخل كريم لهم ويؤكد حسن ان مشكلة المواصلات العامة هي أصعب ما يواجه القزم عند الخروج للشارع خاصة ان ارتفاع أول درجة لوسيلة المواصلات لاتقل عن 80 سم هي طول القزم تقريبا وكذلك ارتفاع الرصيف بالشارع وسلالم المترو مما يعرضهم للاستهزاء عند طلب المساعدة من الآخرين وأيضا المخاطر.. ويتساءل حسن عن عجز القومسيون الطبي العام في تصنيف حالة الاقزام فهم لايعملون معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحصلون علي شهادة تأهيل مهني علي الرغم من أنهم قد يكونوا في حالة صحية يواجهون بها تحديات الواقع أفضل بكثير من قصير القامة الذي لايتوافر له أبسط الحقوق في إيجاد فرصة عمل يعول بها أسرته أو الحصول علي سيارة تقيه مصائب الطريق وتعالي الناس عند طلب المساعدة أو توفير تأمين صحي ومعاش ضمان لمن فشل في الحصول علي عمل.. لذا أطالب المسئولين النظر بعين الاهتمام لفئة الاقزام التي ظلت مهمشة لسنوات طويلة والاعتراف بان القزم لم يخلق للعمل في الفرق المسرحية والسيرك فقط بل مؤهل ليكون عنصراً مشرفاً في المجتمع لديه من المواهب والافكار ما يؤهله للعمل في كافة المجالات. أفضل من العطف وتقول سحر عبدالهادي -30 سنة- إن الفتاة قصيرة القامة تعاني أكثر من الشاب فالتغيرات التي تظهر عليها مع سن البلوغ تلفت إليها الانظار بصورة أكبر وتواجه تعليقات لاذعة وتصرفات مؤذية خاصة من الاطفال بالشارع ومع ذلك لا نطلب احساس العطف والشفقة بل نريد العمل والانتاج وان يكون لنا دور في الحياة ونترك بصمة في المجتمع بدلاً من أن نتواري عن عيون الناس ونعيش في الظلام ونرحل عن الدنيا دون أن يسمع عنا أحد كما نرجو من المسئولين استيعاب وجود أكثر من 70 ألف قزم بمصر وهو عدد لا يستهان به ويجب توفير أبسط مستلزمات حياته من مواصلات عامة وطرق خاصة بهم ووحدات سكنية تناسبهم وكذلك محلات للملابس والاحذية التي نعاني كثيراً في الحصول عليها ونتجه لقسم الاطفال للبحث عن مقاسات تناسبنا والتي غالبا ما تكون بموديلات لاتناسب أعمارنا. الحل للاندماج علي الجانب الآخر أكدت حنان أغاديري- رئيس القسم التأهيلي بمستشفي النفسية والعصبية- إن عدم تقبل الآخر المختلف هو موروث ثقافي يجب علي الجميع محاولة تغييره حتي لايؤثر علي الحالة النفسية للشخص المختلف سواء كان معاقاً أو قزماً ويعوق اندماجه في المجتمع ومن ناحية اخري يجب اعادة تأهيل القزم نفسياً واجتماعياً لتقبل حالته وعدم الخجل منها والبحث عن مناطق القوة التي تبرز موهبته وقدراته الذاتية مما يجبر الجميع علي احترامه وتقديره دون النظر لمشكلته الجسمانية.