* مهما تكن مبررات الداعين لمقاطعة انتخابات مجلس النواب القادمة وهم بلا شك قطاع غير قليل من قوي المعارضة فإن أضرار المقاطعة أكثر من نفعها وخسائرها أكثر من مكاسبها.. فالقرار أولاً سياسي وليس أخلاقيا. وتجارب المقاطعة في دول عديدة تدلنا بوضوح أنها لم تأت بنتائج مرجوة ولم تحدث تأثيراً كبيراً في السياسية.ولم تمنع استمرار العملية السياسية ولا الانتخابات بل جاءت نتائجها سلبية علي المقاطعين. وإن كان البعض يراها وسيلة فعالة في مواجهة النظام.. ولهذا فلابد من إجراء حسابات سياسية دقيقة حول المكاسب والخسائر المحتملة علي قرار المقاطعة. * ولست احسب أن تداعيات إخفاق المقاطعة في حال عدم تحقيقها الغاية المرجوة لدي الداعين لها ستكون سهلة بل قد يترتب عليها خسران مبين. ما لم يلتزم جميع أطياف المعارضة التزاماً صارماً بهذا القرار. وهو ما لم يتحقق حتي هذه اللحظة.كما أنه لابد أيضا من اقتناع قطاع عريض من الناخبين بضرورة ومبررات قرارالمقاطعة. وهذا ما لا يمكن الجزم به أيضا حتي الآن. ولابد حتي تؤتي المقاطعة ثمارها أن تتمكن المعارضة الداعية لها من التأثير الفعلي علي نسبة المشاركة في الانتخابات بدرجة تسحب غطاء الشرعية والمصداقية عن التمثيل المنتظر لمجلس النواب الجديد.. وليس خافيا أن المقاطعة الجزئية هي الطريق الأقصر للخسارة وتأزيم الموقف. وهو ما ينبغي أن يطرح سؤالاً مهماً بعد قراءة المشهد الحالي قراءة متأنية هادئة ولابد أن يجيب عنه الداعون للمقاطعة والذين لا نشك أبداً في وطنيتهم وسلامة مقاصدهم : ماذا تعني المقاطعة في نظركم.. هل هي لمجرد إحراج النظام الذي لم يتجاوب مع مطالبكم بتحقيق أقصي درجات الشفافية والنزاهة للانتخابات.. وهل المقاطعة رسالة مواجهة للخارج أكثر مما تعول علي الداخل..؟! * وسواء تراجعت المعارضة عن قرار المقاطعة أم أصرت عليه كلها أو بعضها.. يبقي السؤال أيضاً: هل سيكون مجلس النواب الجديد خطوة حقيقية علي طريق حل الأزمة السياسية الراهنة. وهل سينهي حالة العنف والعنف المضاد التي تجتاح الشارع. وهل سيضع حداً للانهيار الاقتصادي ويحقق الاستقرار الذي هو شرط لا غني عنه لإنقاذ الاقتصاد والوطن بأكمله من دوامات الانقسام والاحتراب والتراجع..!! * وبصرف النظر عما ستؤول إليه الأحوال في ظل الشد والجذب المسيطر علي الساحة السياسية تبقي آمال شعب يحتاج لمن يعبر عنه تعبيراً حقيقياً بعيداً عما يقال من انتخابات قد يشوبها تجاوزات غير مقبولة فإن المقاطعة تعني - في رأيي - هروبا من تحمل تبعات وأعباء نضال سياسي سلمي يبقي دون غيره هو الطريق الأمثل والأكثر أمناً لكسب الحقوق وتحقيق الآمال.وإحداث التغيير المنشود بعيداً عن تعطيل الحياة وتصعيد حدة التوتر والاحتقان..فليس معروفاً حتي الآن كيف ستتعامل جموع الناخبين مع دعوات المقاطعة. وهل يمكن أن تعيدهم للعزوف عن المشاركة السياسية كما كان حالهم في عهود سابقة تدنت فيها نسبة المشاركة السياسية لأدني مستوياتها ثم عادت بفضل ثورة يناير لتبلغ ذروتها في استفتاء مارس 2011 علي التعديلات الدستورية ثم تراجعت في الاستفتاء علي الدستور. بينما تزداد هذه المعدلات في انتخابات الأندية والنقابات وغيرها وهو ما يحتاج لدراسة علمية تجيب عن سؤال: لماذا هذا التراجععن المشاركة السياسية مرة أخري؟؟ * ربم يرجع عزوف المصريين عن السياسة إلي ضعف تأثير الأحزاب في الشارع وعدم اقتناع الناس بجدواها أو وجودها بينهم. أوالتحامها بهمومهم ومشاكلهم وافتقادها القدرة علي تغيير الواقع ببرامج قوية ترفع مستويات الوعي والإدراك والتحفز وتحرض الشارع علي ممارسة حقه في الاختيار السليم لمن يمثلهم ويتحدث باسمهم ويرسم ملامح مستقبلهم ويحقق الرقابة الشعبية التي هي إحدي ثمار الممارسة الديمقراطية الرشيدة.. ولا يمكن لشئ من هذا أن يتحقق دون مشاركة جميع القوي والتيارات السياسية - يمينها ويسارها ووسطها - في الانتخابات المقبلة..!! * ولا أدري لماذا يغفل البعض أن تحريض القوي السياسية علي المقاطعة يعني فيما يعني دعوة المواطنين للتنازل عن حقوقهم السياسية في اختيار من ينوب عنهم في الرقابة والتشريع ورسم السياسات العامة وصنع مستقبل هذا البلد ولماذا ينكرهؤلاء علي من اتخذوا قرارهم بالمشاركة وجهة نظرهم التي يرونها الأصوب طبقا لمعطيات واقع مأزوم لا يحتمل مزيداً من التصعيد. وأن المشاركة بمثابة إنقاذ للوطن من استحواذ فصيل سياسي واحد أياً ما كان هذا الفصيل..!! * لا شك أن التنابز والشقاق والتخوين والتراشق سيحقق الفشل للجميع. في ظل إصرار كل فريق علي موقفه ورأيه وعدم قدرة أي فريق علي تغيير قناعات ومسارات الفريق الآخر.. وهم ما يحتم علي الجميع ضرورة التوقف عن إنكار موقف هذا الآخر مهما تكن درجة الرفض والاختلاف معه فظروفنا الحالية تفرض علي الجميع إدراك خطورة اللحظة وعدم الإصرار علي حرق المستقبل فمصر تستحق كل جهد مهما اختلفت الوسائل والأليات والمسارات. وليس مقبولاً في ظل الإصرار علي المقاطعة أن نشكو غلبة واستحواذ فصيل واحد علي الساحة السياسية. ناهيك عن سريان روح الإحباط وتثبيط وتوهين العزائم بما يصرف الناس عن التمسك بحقوقهم وواجباتهم وهو ما قد يفضي في نهاية المطاف إلي فوضي وتفكيك.. فلم يقدم الداعون للمقاطعة وهم قطاع كبير من المعارضة بدائل واقعية لعدم المشاركة في الانتخابات ترشحًاوتصويتاً رغم عدالة ما يطلبه هؤلاء من ضمانات لازمة لشفافية ونزاهة الانخابات. وهو ما لا خلاف عليه. ولن يتأتي إلا بتفعيل نصوص القانون المنظمة للانتخابات.ورغم التباين الواضح بين الداعين للمشاركة في الانتخابات والداعين لمقاطعتها فإن أحداً لا يستطيع أن يجزم بأن خياره هو الأفضل والأنجح مائة في المائة. وكنا نتمني أن يكون قرار جبهة الإنقاذ وغيرها من تيارات المعارضة لصالح المشاركة لا المقاطعة رغم الظروف غير المواتية لإجراء الانتخابات في ظل ما يشهده الشارع من عنف غير مسبوق فدعاة المقاطعة يعرفون أكثر من غيرهم أن حضور الناخبين بكثافة هو أقوي ضمانات النزاهة والحيدة وأقوي الأسلحة في وجه التزوير. * كنا نتمني أن تكون نسبة المشاركة العالية في الانتخابات هي الهاجس الحقيقي الذي ينبغي أن يشغل الجميع - حكومة ومعارضة - حتي لا تظل ندور في حلقة مفرغة ونبحث عن إجابة لسؤال أزلي : لماذا تتدني نسبة المشاركة السياسية عندنا دون ال 50 أو حتي ال 40 %.. ولماذا كثرت أحزابنا وقل منتسبوها ولست أدري كيف يكون لدينا هذا الكم الهائل من الأحزاب ثم لا يزيد أكثرها تنظيما وشعبية علي مليون عضو بينما أدناها لا يجاوز المئات.. وهل تتناسب أعداد المقيدين بالأحزاب مع التعداد السكاني لمصر.. ألا يتساءل قادة الأحزاب: لماذا تحجم الجماهير عن ممارسة العمل السياسي من خلال تلك الأحزاب وهل تمارس تلك الأحزاب ديمقراطية حقيقية داخلها.. وما نسبة تمثيل الشباب في عضويتها.. وهل تتناسب تلك النسبة مع نسبتهم في المجتمع والتي تزيد علي 60%.. ألا يدرك هؤلاء أن من يملك الشباب يملك بالضرورة مفاتيح المستقبل.. وأين البرامج والخطط التنموية والكوادر السياسية في تلك الأحزاب.. وهل هي قادرة علي الجواب عن سؤال مفصلي: ماذا نفعل لو أصبحنا في الحكم..؟! * إن طريق الديمقراطية طويل وصعب ويخطئ من يتصور أن المقاطعة هي الحل بل هي ضد الديمقراطية حتي لو أحرجت النظام. فالديمقراطية ممارسة سياسية محكومة بضوابط وأهداف وهي عملية تفاعلية بالأساس. وإذا كنا نرفض تزوير الانتخابات وشراء الأصوات بالمال واستغلال حاجة الناس وفقرهم وأميتهم. أو التأثير علي قناعتهم بشعارات تخلط الدين بالسياسة. فإننا نرجو ألا تستحكم الأزمة وتصل بالمقاطعة إلي طريق مسدود. بل لابد من الحضور القوي أمام الصناديق لانتزاع الحق في اختيار ممثلي الأمة وصوتها في البرلمان.. إما إذا استمرت هذه الأجواء كما هي ومضي كل فريق إلي غايته ونسي الجميع مصلحة مصر التي تحتم التوحد والتوافق.. فالكل مسئول عما ستؤول إليه الأحوال لا فرق في ذلك بين معارضة ونظام حاكم.