تحل اليوم ذكرى ميلاد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أحد رموز الموسيقي في الوطن العربي، ولد في 13 مارس 1902 في حارة برجوان بحي باب الشعرية لأبيه الشيخ محمد أبو عيسي الذي ترجع أصوله إلى محافظة الشرقية وكان يعمل مؤذنا وقارئا في جامع سيدي الشعراني بباب الشعرية وأمه فاطمة حجازي التي أنجبت ثلاثة أولاد منهم محمد وبنتان. أُلحق محمد عبد الوهاب بكتاب جامع سيدي الشعراني بناء على رغبة والده، الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته فحفظ عدة أجزاء من القرآن الكريم، لكن لم تستهويه دروس الفقه والشريعة بل وجد نفسه يهوى الغناء والفن وتفتحت أذهانه الموسيقية على موشحات الشيخ سلامة حجازي وبات يرددها ولم ترض الأسرة عن هذه الأفعال فكانت تعاقبه على ذلك. ومع تكرار هروبه من المنزل لحضور الحفلات بمسرح "الكلوب المصري" استقر رأي أسرته على إيجاد عمل له في محل "ترزي" وكان شقيق صاحب المحل ملحنا بفرقة فوزي الجزايرلي، وعندما استمع إلى صوت عبد الوهاب عرض عليه أن يغني بين فصول المسرحيات مقابل خمسة قروش وذلك في عام 1917، وعندما ذاع صيته في الفرقة التحق بفرقة سلامة حجازي وعمل متخفيا تحت اسم "محمد البغدادي" حتى لا تعثر عليه أسرته، وعندما عثرت عليه أصرت على أن يكمل دراسته لكن عبد الوهاب هرب مع السيرك إلى دمنهور إلا أنه طرد من السيرك بعد أيام وعاد لأسرته مرة ثانية بعد توسط الأصدقاء والتي وافقت أمام تمسكه وإصراره على الغناء ولكن مع فرقة "عبد الرحمن رشدي". وحدث أن حضر الشاعر أحمد شوقي أحد عروض الفرقة وبمجرد سماعه لعبد الوهاب طلب من حكمدار القاهرة منعه من الغناء لصغر سنه. وفي عام 1920 قام عبد الوهاب بدراسة العود في نادي الموسيقي الشرقي "معهد الموسيقي العربية حالياً" على يد الموسيقار محمد القصبجي، كما التحق بمعهد جوبرين للموسيقي الشرقية والغربية. وفي عام 1925 عمل مدرسا للموسيقي في وزارة المعارف، إلا أنه تركها لينضم للعمل بفرقة على الكسار كمُنشد في الكورال وبعدها فرقة الريحاني عام 1921، التي قام معها بجولة في بلاد الشام وسرعان ما تركها ليكمل دراسة الموسيقي ويشارك في الحفلات الغنائية، وأثناء ذلك قابل سيد درويش الذي أُعجب بصوته وعرض عليه العمل مقابل 15 جنيها في الشهر في فرقته الغنائية وذلك عام 1928. وأثناء احياء محمد عبد الوهاب لحفل أقيم بأحد كازينوهات الإسكندرية وحضره رجال الدولة والعديد من المشاهير ومنهم أحمد شوقي الذي طلب لقاء عبد الوهاب بعد انتهاء الحفل، ذكره عبد الوهاب بما فعله به احمد شوقي وهو صغير فأكد له الأخير انه فعل ذلك خوفا على صحته وعلي صوته، وتعد السبع سنوات التي قضاها عبد الوهاب فيما بعد مع احمد شوقي من أهم مراحل حياته حيث علمه الكثير من الأشياء التي أسهمت في نجاحه في حياته المهنية والشخصية ومنها طريقة الأكل والشرب والكلام كما أحضر له مدرسا لتعلم اللغة الفرنسية وبدأ نجم عبد الوهاب يبزغ عندما قدمه الشاعر احمد شوقي في كافة الحفلات التي كان يذهب إليها ثم بدأ العمل بالإذاعة عام 1930 ومن هنا بدأ عالم التلحين والغناء والتأليف الموسيقى حتى اتجه بعد ذلك إلى السينما عام 1933. اشترك عبد الوهاب في تمثيل 12 عملا امتدت ما بين الثلاثينيات والأربعينيات ما بين تمثيل سينمائي أو إذاعي أو كضيف شرف في فيلم بشخصيته الحقيقية مثل فيلم "غزل البنات" ومن أفلامه: "الوردة البيضاء، و "يوم سعيد" و"ممنوع الحب" و"رصاصة في القلب" و لست ملاكا" و"شئ من العذاب" و"قاهر الظلام" و"منتهي الفرح" و"يحيا الحب" و"يوم سعيد". قدم عبد الوهاب العديد من الألحان لكبار المطربين والمطربات، منهم أم كلثوم وليلى مراد وعبد الحليم حافظ وفيروز ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وصباح وطلال مداح وأسمهان، إلى جانب أنه كان أول مكتشف للفنان إيهاب توفيق في أواخر الثمانينيات. ومن المعروف ان محمد عبد الوهاب هو صاحب أكبر عدد من الألقاب الفنية وغير الفنية من أشهرها "مطرب الملوك والأمراء" و"بلبل مصر" و"موسيقار الجيل" و"موسيقار الجيلين" و"موسيقار الأجيال" وأخيرا "اللواء" و"الدكتور". وعلى صعيد حياته الشخصية، تزوج عبد الوهاب ثلاث مرات الأولى في بداية مشواره الفني من سيده تكبره ب 25 عاما وتم الطلاق بعد عشر سنوات. وفي عام 1944 تزوج عبد الوهاب من زوجته الثانية السيدة "إقبال" الذي أنجبت منه خمسة أبناء هم أحمد ومحمد وعصمت وعفت وعائشة، واستمر زواجهما 17 عاماً وتم الطلاق في عام 1957 ، ثم تزوج من زوجته الثالثة والأخيرة السيدة نهلة القدسي التي استمرت معه حتى وافته المنية في 4 مايو 1991 إثر جلطة بالمخ وشُيع جثمانه في جنازة عسكرية يوم 5 مايو بناء على قرار الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك. حصل موسيقار الأجيال خلال مشواره الفني علي العديد من الأوسمة والنياشين ومن أبرزها رتبة اللواء الشرفية من الجيش، والجائزة التقديريه في الفنون 1971، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون 1975، والميدالية الذهبية في العيد الذهبي للإذاعة وميدالية طلعت حرب كما انه أول موسيقار عربي يحصل على الاسطوانة البلاتينية وذلك عام 1978 بعد أن انتشرت أعماله في مختلف دول العالم. وتم تكريمه بإنشاء متحف يحتوي على معظم مقتنياته الخاصة، كما أقيم له تمثال في ميدان باب الشعرية (حيث نشأ) تخليدا لذكراه.