ختام امتحانات نهاية العام بجامعة طيبة التكنولوجية 2023-2024    القراءة نبض الحياة، إطلاق مسابقة معرفية لطلاب الوادي الجديد    الإسكان: رفع درجة الاستعداد لتوفير الخدمات للوافدين على العلمين الجديدة    وزير الصناعة: رؤية مصر تستهدف تعميق التكامل التجاري بين الدول الثماني النامية الإسلامية    وزير المالية: ملتزمون بالقضاء على الفقر وتوفير رعاية صحية لكل المواطنين    أسعار الخضروات والفواكه في السوق العبور بمصر اليوم الثلاثاء 11 يونيو 2024    رئيس الوزراء يشارك في الملتقى الدولي الأول لبنك التنمية الجديد بمصر    الكرملين: نعتزم تطوير العلاقات مع إيران    مالاوي.. الجيش يرجح تحطم طائرة نائب الرئيس في إحدى الغابات    علي ماهر يصحح أخطاء المباراة الودية استعدادا للزمالك بالدوري    مساعد جوميز: أنا مشجع زملكاوي حتى النهاية.. والمدرب من سيختار الصفقات الجديدة    "كنت تسأل صلاح الأول".. ميدو يوجه رسالة نارية لحسام حسن: "لازم يبقى فيه احترام"    إنييستا: تعاقد برشلونة مع محمد صلاح كان سيصبح "صفقة خاصة"    بداية موجة حارة في مصر: توقعات بارتفاع درجات الحرارة خلال الأيام القادمة    أعرف قانون مخالفات السرعة الجديد في السعودية 1445    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    ضبط 7 مليون جنية حصيلة الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    مكتبة الإسكندرية تستقبل سفير الكونغو الديمقراطية (صور)    وحدة جديدة للعناية المركزة للأطفال في بني سويف    هيئة الدواء: تفاوض مع الشركات لتخفيض أسعار بعض الأصناف    "الدولية للهجرة": مصرع وفقدان 189 شخصا خلال غرق مركب هجرة قرب اليمن    القبض على شخص بتهمة النصب على مواطنين في 7.5 مليون بزعم توظيفها بالقليوبية (تفاصيل)    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    توقعات تنسيق مدارس الثانوية العامة بالقاهرة 2024-2025    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    تكريم مبدعين من مصر والوطن العربي بافتتاح المعرض العام للفنون التشكيلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى المبارك    موعد عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل دواعي السفر على منصة WATCH IT    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض التصوير الفوتوغرافي لطلاب فنون جميلة    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    «الضرائب»: نتبنى فكرا جديدا لتكثيف التواصل مع مجتمع الأعمال الخارجي    منتخب هولندا يكشف بديل دي يونج في يورو 2024    "الصحة" تنظم ورشة عمل على تطبيق نظام الترصد للأمراض المعدية بالمستشفيات الجامعية    لطلاب الثانوية العامة.. احذر 6 عادات قاتلة تسبب هبوط الدورة الدموية    مكون يمنع اسمرار اللحم ويحافظ على لونها ورديا عند التخزين.. تستخدمه محلات الجزارة    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عشق ومخدرات وفيديوهات لعلاقة كاملة.. حكاية الزوجة الثانية في حياة سفاح التجمع    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    وزيرة التنمية الألمانية: هناك تحالف قوي خلف أوكرانيا    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    انتشال جثامين 8 شهداء من تحت أنقاض منزل بحي الدرج وسط غزة    كواليس جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي ومدة إيقافه المتوقعة    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    سيد معوض يتساءل: ماذا سيفعل حسام حسن ومنتخب مصر في كأس العالم؟    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أمل (في ذكرى وفاة أمل دنقل)
نشر في جود نيوز يوم 21 - 05 - 2013

الشعر كان طريقه إلى كل سر بعيد، طريقه نحو الخلود، عطره الذي يتعطر به، أزهار الياسمين التي لا تذبل أبداً، سيفه الذي يصارع به الصمت فتجيبه الموسيقى، مفرداته التي يصوغ بها عالمه، مغامرته التي يعيد بها اكتشاف وجوده، أداته التي يخلق بها وطنه المفقود.
ووطن أمل الأول كان قريته "القلعة"التي ولد بها 1940 التابعة لمركز "قفط" بمحافظة "قنا" ولأن أمل كعادته وفيّ لوطنه يبدو تأثير رحيله عن "قريته " واضحاً في قصيدته "مقتل القمر" من ديوان يحمل نفس الاسم فيقول:
قُتِل القمر
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
-(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
- (( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
وما القمر هنا إلا رمز للشاعر نفسه الذي ترك قريته وترك معها هدوءه النفسي وجماله الروحي وثقته بالحياة نازحاً إلى المدينة ليلقى مصرعه وسط الزحام والضجيج وبرودة المشاعر واغتراب أهل المدن.
وإلى الإسكندرية التي قضى فيه الشاعر أيام صباه يقول في قصيدة "براءة" من نفس الديوان "مقتل القمر":
أحس حيال عينيك
بشيء داخلي يبكي
أحس خطيئة الماضي
تعرت بين كفيك
وعنقودا من التفاح في عينين خضراوين
أأنسى رحلة الآثام في عينين فردوسين؟
وحتى أين؟
تعذبني خطيئاتي .. بعيدا عن مواعيدك
وتحرقني اشتهاءاتي قريبا من عناقيدك !
ولم تعرف الشهرة طريقها إلى أمل دنقل إلا من خلال حبه لوطنه الأم مصر مع هزيمة يونيو67 فمن رحم المآسي الكبيرة يولد الشعراء الكبار، ومن رحم هزيمة يونيو ولدت كلمات قصيدته الأشهر "البكاء بين يدى زرقاء اليمامة" * التي عنون بها ديوانه الأول وكانت سبباً في تعريف الجمهور به.
ارتبطت بالجرح القومي الأكبر" هزيمة 67" وكانت تعبيراً عميقاً وصادقاً عن موقف عنترة " الشعب العربي" الذي تركه الحكام في صحراء الإهمال يسوق النوق إلى المرعى ويحتلب الأغنام ويجتر أحلام الخصيان حتى إذا ما اشتدت الحرب وأعلنت المعركة ذهبوا إليه يستصرخون فيه روح الحمية ويدعونه إلى الدفاع عن قصورهم المضاءة بالمسرات وألوان الترف" 1.
تكلمي ...أيتها النبية المقدسة
لا تسكتي .. فقد سكت سنة فسنة لكي أنال فضلة الأمان
قيل لي اخرس
فخرست وعميت ائتممت بالخصيان
ظللت في عبيد عبس أحرس القطعان
أجتز صوفها
أرد نوقها
أنام في حظائر النسيان
طعامي الكسرة والماء وبعض التمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان
دعيت للميدان
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شأن
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان
أدعي الى الموت ولم أدعَ الى المجالسة
وصفوه ب "الشاعر الصعلوك" ولم يحزن أمل فلم يكن" من شعراء الحواضر والصالونات المعطرة والبدلات الأنيقة والسيارات الفارهة....بل " وصل الحال به وبزميله حسن توفيق إلى أن يتبادلا ارتداء قميص واحد ...، فإذا خرج أحدهما انتظر الآخر حتى يعود زميله" 2
فقد صاغ أمل معاناة طبقات المجتمع التي طحنها الجوع والعوز وارتفاع الأسعار وكانت تمتهن كرامتها للحصول على لقمة العيش فهي لا تستطيع إشباع حاجاتها المادية ولا حاجاته المعنوية فيقول في قصيدته" يوميات كهل صغير السن"
جاءت إلي وهي تشكو الغثيان والدوار
(.. أنفقتُ راتبي على أقراص منعِ الحمل!)
ترفع نحوي وجهها المبتل..
تسألني عن حل!
هنأني الطبيبُ! حينما اصطحبتها إليه في نهاية النهار
رجوته أن يُنهي الأمر? فثار (.. واستدار يتلو قوانين
العقوبات علىّ كي أكفَّ القول!)
هامش:
أفهمته أن القوانين تسن دائما لكي تُخرق
أن الضمير الوطنيَّ فيه يُملي أن يقل النسل
أن الأثاث صار غاليًا لأن الجدبَ أهلك الأشجار
لكنه.. كان يخاف الله.. والشرطةَ.. والتجار!
وربط أمل ببراعة في أبياته السابقة بين أقراص منع الحمل وارتفاع أسعار الأثاث والجدب الذي أهلك كل شئ حتى الأشجار.
والمتأمل في شعر أمل يجده نابضا من قلب مصر فقد كتب قصيدته " أغنية الكعكة الحجرية" وسط مظاهرات الطلاب فى يناير 1972 ويقول فيها محدثا مصر:
اذكريني!
فقد لوثتنى العناوين فى الصحف الخائنة!
لونتنى.. لأنى - منذ الهزيمة - لا لون لى..
(غير لون الضياع!)
قبلها؛ كنت أقرأ فى صفحة الرمل..
(والرمل أصبح كالعملة الصعبة،
الرمل أصبح: أبسطة.. تحت أقدام جيش الدفاع)
فاذكرينى؛.. كما تذكرين المهرب.. والمطرب العاطفى.
وكاب العقيد.. وزينة رأس السنة.
اذكرينى إذا نسيتنى شهود العيان
ومضبطة البرلمان
وقائمة التهم المعلنة
ويعبر أمل في قصيدته " صلاة" التي تأتى في مقدمة ديوانه "العهد الآتي" عن قبضة جهاز الشرطة الحديدية التي كانت تحكم مصر وطغيان وجبروت هذا الجهاز الذي وصل بمقتضاه إلى درجة التأله .
أبانا الذي في المباحث، نحن رعاياك
باق لك الجبروت، باق لك الملكوت
وباق لمن تحرس الرهبوت
تفرّدت وحدك باليسر
إن اليمين لفي خسر
أما اليسار ففي عسر
إلا الذين يماشون
إلا الذين يعيشون..
يحشون بالصحف المشتراة العيون فيعيشون
إلا الذين يوشون
إلا الذين يوّشون ياقات قمصانهم برباط السكوت
الصمت وشمك.. والصمت وسمك.. والصمت أنى التفتّ
يرون ويسمك
والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المصمغتين
يلف الفراشة والعنكبوت
لذا، يخاطب أمل دنقل جماهير الشعب المقهورة ناصحاً إياهم ألا يرفعوا الرؤوس حتى لا يكون مصيرهم مثل " سبارتاكوس" الذى ثار مطالباً بالحرية فكان مصيره الموت فقصيدته " كلمات سبارتاكوس الاخيرة" فيقول"
فلترفعوا عيونكم للثائر المشنوق
فسوف تنتهون مثله .. غدا
وقبّلوا زوجاتكم .. هنا .. على قارعة الطريق
فسوف تنتهون ها هنا .. غدا
فالانحناء مرّ ..
والعنكبوت فوق أعناق الرجال ينسج الردى
فقبّلوا زوجاتكم .. إنّي تركت زوجتي بلا وداع
وإن رأيتم طفلي الذي تركته على ذراعها بلا ذراع
فعلّموه الانحناء ! ..علّموه الانحناء !
الله . لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا !
والودعاء الطيّبون ..
هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى
لأنّهم .. لا يشنقون !
فعلّموه الانحناء ..
ليس ثمّ من مفر
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد !
وخلف كلّ ثائر يموت : أحزان بلا جدوى ..ودمعة سدى !
ويرث أمل نفسه فى قصيدته "الجنوبى" من ديوانه الأخير "أوراق الغرفة 8" وهى الغرفة التي كان يعالج بها فى المستشفى من مرض السرطان الذى وافته المنية على إثره عام 1983 فيقول:
هل أنا كنت طفلاً
أم أن الذي كان طفلاً سواي
هذه الصورة العائلية
كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي
الى أن يقول
أحدق
لكن تلك الملامح ذات العذوبة
لا تنتمي الآن لي
والعيون التي تترقرق بالطيبة
الآن لا تنتمي لي
صرتُ عني غريباً
ولم يتبق من السنوات الغريبة
الا صدى اسمي
وأسماء من أتذكرهم -فجأة-
بين أعمدة النعي
إنه أمل دنقل الذي عاش من أجل هذا الوطن ولكم تمنيت أن يكون بين ظهرانينا الآن ليرى ثورة هذا الشعب العظيم الذي ما كتب يوماً قصيدة إلا من الشعب وإليه.
** زرقاء اليمامة امرأة حقيقية من بنى جديس من أهل اليمامة في اليمن كان يضرب بها المثل في حدة النظر، وقالوا إنها كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وأنذرت قومها بجيش حسان بن تبع الحميرى، ولكن لم يصدقوها فاجتاحهم حسان.
1-2 الأعمال الكاملة لأمل دنقل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.