حياتها كانت تمضى كأيام الشتاء الباردة... قلب يتدثر بالصقيع، صمت تتزاحم كلماته داخلها كأنه سحب تتكاثف ولا أمطار، خطوات متثاقلة بلا عنوان، ، طريق ممتد لا شئ فيه غير المجهول... وما كان يهاب شيئاً مثل المجهول. ... إنه يخاف عليها... يخاف أن يبعث مشاعرها الغارقة في سبات عميق وكأنه الموت إلى الحياة مرة أخرى... وهي العصفورة الصغيرة التي لم تحلق يوماً بعيداً، ولكنها تريد أن تتحدى الريح والأمطار... يخاف من ذلك الزلزال الكامن داخلها، فالحب زلزال لا يمكن التنبؤ به أو رصد قوته أضناه السهد لا من التفكير فيها، بل من الخوف عليها، وخوفه هو الحب يرتدى رداءً غير ردائه. أما هي فكان الحديث إليه يهديها إحساساً غريبا من السعادة لم تعرفه قط، يخلق داخلها حنيناً لشئ تجهله. فقد أحبت اسمها كما لو لم تكن تسمى به من قبل عندما سمعته من شفتيه، فعندما يناديها تسرى فيها موجة رقيقة من المتعة لتلامس شطآنها، ومن فرط الإحساس تود لو ظل يناديها بلا توقف. وما تكاد تراه حتى تتلهف عيناها على رؤيته مرة أخرى هذا في اليقظة، أما في النوم فكلما أغمضت جفنيها أيقظهما التفكير فيه... وإذا أُغمضا لم يكن يترك حلماً إلا ويزج بنفسه فيه. إن المجهول الذي كان يهابه بات معلوماً...إنه هو هذا المجهول الذي كان يخاف منه عليها. وما كانت تجهله أصبحت تتجاهله وهى لا تدرى أن تجاهلها اعتراف. تقاومه وكلما قاومته أصبحت أكثر استسلاماً.. تظهر الجفاء وفي جفائها يبدو الاشتياق، تهرب في الأيام ولكنه في كل مكان وكأنها تهرب منه إليه. لقد سافر داخلها في رحلة بلا نهاية...إنه عمرها الذي تتساقط ساعاته وأيامه كدموع الشتاء المتساقطة على الطرقات. أصبحت مسكونة به ولا تستطيع البوح، فلقد جاءها من صفحات كتب العشق القديمة لو رحل لن يبقى منها شئ. كانت تتمنى أن تًزيح عن حبها الحجاب، أن تطوى تلك الخطوات التي تفصلها عنه بكلمة واحدة، وكلما همت بدت هذه الخطوات مسافات ومسافات لا تطويها ملايين الكلمات، تتمنى لحظة واحدة تقرأ في عينيه صمت الكلام ولكنها لحظة بألف عام لذا كان هناك سؤال يلح عليها، وتخيفها إجابته: تراه يدرى بحالي؟ وإذا كان لا يدرىِ لِمَ يراوغني وجهه كلما صافحته عيناي؟ وهو كان يعرف أنها لن تذق في حياتها أمتع ولا أعذب مما تعيش الآن، ولكنه يخشى أن تتفتت أو تذوب، يخشى أن تصبح ريشة يحملها الهوى حيث أراد، ولم لا وهو يحمل الملوك على ترك عروشهم. يتحدث عنها وهو لا يدرى أنه يتحدث عنه... فقلبه يوشك أن يعلن العصيان.. يوشك أن يثور كالبركان... أن يعقد مؤتمراً صحفياً يعلن فيه أنه يعشقها. ولكنه يخشى أن يصبح كبقايا الزجاج المكسور. هو سجين الخشية والخوف. وهى سجينة التمني والحلم.