ها قد وصلنا-بمعونة الله- إلي العدد الحادي و العشرين الذي فيه تكون حكايتنا.. فحكايتنا أيها السادة حكاية نادرة.. و غير متكررة.. موضوعنا أيها السادة عن شهامة متأصلة.. كفيلة بقطع الصلة.. و هكذا -أيها السادة- قصتنا تبدأ كالآتي:.. ******** في ذات مساء كنت غير مشغول..،وبينما كنت أفكرفيما سأفعله اتصل بي (م.ا) ليخبرني هو الآخر أنه يعيش الفراغ و دعاني لقضاء الوقت عنده كي نظل طوال الليل نتحدث و نقرأ و نشاهد أفلام الكمبيوتر حتي مجيء الصباح..، و لم تكن هذه أول مرّة أفعل فيها هذا مع صديق لي، فوافقت.. و ذهبت.. و يا ليت ما حدث قد حدث.. أتعرفون لماذا؟؟ هذا لأن قصتنا-أيها السادة-تبدأ كالآتي:.. ******** لقد ذهبتُ إلي (م.ا) في حوالي التاسعة و النصف مساءاً،و علي تمام الساعة العاشرة كان والده قد خلد للنوم،و على تمام الساعة الحادية عشرة كانت أمه قد خلدت للنوم هي الأخرى،و على تمام الثانية عشر كانت شقيقته الصغيرة قد خلدت للنوم،و على تمام الواحدة صباحاً كان أخوه العجيب قد خلد للنوم،و علي تمام الثانية صباحاً كان (م.ا) قد خلد للنوم.. نعم..،أنت لم تخطئ قراءة العبارة كما أنني لم أخطئ الكتابة.. ففي أول الثانية صباحاً وجدت (م.ا) يذهب إلى فراشه،فسألته بكل براءة و كفاءة و جرأة و شجاعة و إقدام:"إلي أين ستذهب؟" فردّ عليّ بدهشة-و كأن سؤالي هذا ليس في محله-ردّا ً رادعاً قاطعاً باتعاً قائلاً: "سأنام!" يا سلام.. فقلت قولاً قائلاً:"ماذا تقصد؟!" فقال بكل شهامة و مروءة و جرأة و تضحية:"سأنام..، أريد أن أصحو مبكراً لأشاهد الفيلم الجديد" و قد كان من غير المستطاع النزول في ذلك الوقت فقلت:"و أين سأذهب أنا؟!" فقال لي"نام أنت الآخر" هممت بقول شئ ما و لكنه لم يتيح لي الفرصة الكريمة فقد أطفأ الأنوار و... و غط ّ في نومه.. و بقيت وحيداً شريداً في الظلام الحالك الدامس الغامر. تلك هي البداية.. فقصتنا -أيها السادة- هي كالآتي: ******** اسم يصلح لفيلم ما أو لقصة ما من أفلام و قصص الرعب.. و لكنني أعيش أحداثه.. فلا يوجد بصيص من النور،وأنا جالس في غرفة (م.ا) غير دارٍ بما يجب أن أفعل،فأخذت أتحسس طريقي إلي التلفاز-مع أنني لا أطيقه-و جلست أمامه،ليس لأشاهده-فهذا جو لا يسمح بالمشاهدة-ولكن ليعطيني انبثاقة من الضوء أجلس في أنستها .. بالطبع لم أدير الصوت لكي ينعم النائمين بنوماً مريحاً..،و في تمام الساعة الثالثة بعد منتصف الليل سمعت تلك الأصوات: خخخخررررووووننننفففف خرش خخخخررررووووشششش خرنف شششخخخفففرررووووننن خشر بدأت أشعر بالرجفة في أوصالي،و الأصوات تعلو و تستمر،فأطفأت التلفاز و أخذت أتحسس طريقي إلي خارج غرفته التي اعتقدتها مسكونة ، فوجدت أن الخارج أيضاً يعج بتلك الأصوات التي تسمعها كالقرارات و الجوابات بين الحجرة و خارجها لتصنع إيقاعاً سيفونياً بتناسق بديع،فداخل الحجرة: خخخخررررووووننننفففف و من خارجها: خرش ثم من الداخل: خخخخررررووووشششش و من الخارج: خرنف ثم يردد الإثنان معاً: شششخخخفففرررووووننن خشر و بدأت أوصالي ترتعد و هممت بالفرار و لكن أين لي أن أصل إلى باب البيت دون الاصطدام بأحد تلك الأشباح؟ و لم أشأ الرجوع إلى الحجرة فأخذت أتلمس طريقي إلى الصالة.. و هنا تعالت الأصوات و أصبحت كفريق يكمل بعضه البعض.. و ما هما إلا خطوتين حتى اصطدمت قدمي ب(شئٍ_ شخصٍ _ عفريتٍ) ما ، وانقلبت على وجهي و وقعت لأجد نفسي في أحضان.. جثة..!! احتبست الصرخة في حلقي و تجمدت حركتي و سمعت صوتاً ما يقول : "هممممم" و تقلبت الجثة كمومياء فرعونية تقوم في نهضة أسطورية و .. ماذا؟!! أنا أعرف هذه ال(هممم) يا للّيلة السوداء.. إنه والِدَهُ..! دارت في عقلي كالصاروخ احتمالات أن يكتفي فقط بأن يوسعني ضرباً و ركلاً و بأن يطردني و يصفق الباب خلفي في حنان يهدم الجدران.. أظن الحق معه،فكيف سيفسر وجودي في ذلك الوقت و الكل نيام؟! دعك من أنه لن يفسر من أمامه و سيعتقد أن استخدام السكين و الساطور سينهي الموضوع. و حتى لو فسر. و في خفة ال(تَفَّة) و مرونة المكرونة قفزت من فوقه و اختبأت وراء شئٍ ظننته مقعد وجلست علي الأرض الرخوة و سمعته يقول: "نام عدل و متتقلّبش يا ابني" حمداً لله لقد ظنه أخا (م.ا) العجيب فسمعت أخا (م.ا) يجيبه قائلاً: "خخخخررررروووووونننننشششششش!!" أهاه..،إنه الغطيط إذاً..،و لكن الغريب في الموضوع أن صوته كان يصدر من.. من تحتي.. لقد شككت في نفسي و لكنّي استبعدت الشك لأنني لم آكل منذ فترة صدقوني.. الأرض الرخوة؟؟ بالطبع كانت أخاه العجيب الذي جثمت على صدره كالجاثوم و كبست على أنفاسه كالكابوس. و بالطبع لم يكن جلوسي فوقه بالشئ الكافي ليستيقظ ،فأخذت (أحبي)علي أربع كالأطفال أو كالدواب ،متحركاً وسط الجثث المتراكمة في ساحة القتال وسط أصوات هزيميّة كهدير المحركات المصابة بأعطال مُهْلِكَةٌ و في جو أسطوري يصلح لمراسم تحضير الأرواح الفرعو بيزنطية.. ** أتخيل ذاك الأفيش لهذا الفيلم.. ما هذا الحظ؟! لملذا تَرَكَتْ العائلة الكريمة حجراتها لتنام بالخارج..؟ أظنها حرارة الجو. وماذا لو استيقظ أحدهم و رآني؟ماذا أقول له إني أفعل؟ وظللت تائهاً هكذا حتى الخامسة و النصف صباحاً..عندئذٍ أيها السادة حدث الآتي: ******** "تووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووت" "طقطقطقطقطقطقطقطقطقطقطق،طااااااااااااااااااااااااااااااااااااخ،تووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووت" طرق رهيب علي الباب،و جرس الباب. ياللمصيبة..،سيستيقظ أحدهم و يجعل مني (بانيه).. فأخذت القرار المغوار و ذهبت لأفتح الباب الذي يدق بإصرار لأجد شخص ما يمسك بقفة و يصرخ كمن يسقط من شرفة الطابق التاسع عشر: "زبالااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااة" صرخت في داخلي بأن "إخرس" و قلت له: "لحظة واحدة" ، و ذهبت لأوقظ أخا (م.ا) العجيب حيث أنه الوحيد الذي لن يتعجب لوجودي هنا ، فذهبت إليه و هَزَزْتُهُ ثم رَكَلْتُهُ و طفقت أصفعه صفعاً و لكمته لكمات مؤلمة- نسبة الي البشر- ولم يطرف له جفن حتى اقتنعت أن الضرب في الميّت حرام ،فأخذت كوب من الماء و سكبته فوقه و لم يتحرّك قيد أنملة فأتيت بالزجاجة كلها واتكلت على الله و طشششششششششش ،و لا حياة لمن تُوْقِظ .. لكمات فركلات فطعنات ولم يتزحزح، و استمرّ الحال هكذا حتى حدث حدث القرن.. لقد جلس في مكانه..، قلت له لاهثاً: "عامل جمع القمامة بالخارج" نظر لي من وراء النظارة التي ينام بها و قال شئ جميل: -"سأقتلك..!" -"هه؟!" -"بحق سأقتلك!" قلت له :"العامل في الخارج ، أين القمامة؟" فتح فمه لقول شيء و سقط كشوال قمامة مصدراً صوته المذكور قبلاً: "خخخخخخرررررررررووووووووووننننننننفففففففففف" آآآآآه..تلح عليّ بجنون فكرة أن آخذه و أعطيه للرجل الواقف خارجاً و لكنني تمالكت نفسي و رجعت إلي جامع القمامة و أخبرته أنه لا توجد قمامة في هذا المنزل.. انتظرت رحيله فلم يرحل و قال لي:"الحساب" قلت له:"من؟!" قال مؤكدا و كأنني لم أسمع "الحساب" كدت أبكي حسرة فأنا لا أستطيع إيقاظ أحد ليدفع..،لا (م.ا) لأنّي لم آتي معي بقنابل هيدروجينية ، و لا أخاه لأنني لا أشاء أن أُقْتَل و لا أي شخص آخر لأنني سأضطر أن أجمع شتات كرامتي المهلهلة وقتذاك.فسألْتُهُ بخوف و رجفة و قلق و رعب و بشاعة و خلاعة:"كم الحساب؟ ؟ ؟" و سقط عليّ جوابه كالصاعقة المصعوقة ، فقد كان ما يطلبه هو كل ما أملك في حافظتي المسكينة.. أعطيته مٍلْء حافظتي ثم انصرف صاعداً قائلاً: "زبالاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااة" قلت في داخلي:"أهه انت" و عندما أدركني الصباح ، فتحت الباب انفتاح و رجعت سيراًعلي الأقدام ، فقد كان الركوب غير متاح فقد أنفقت نقودي على ال(زبالة) ، و تلك أيها السادة حكاية (الندالة) و بعد مرور عدّة أيام أخذت أفكرّ فيما حدث و وجدت أنها حكاية نادرة.. و غير متكررة.. وجدت أنه موضوع شهامة متأصلة.. كفيلة بقطع الصلة.. و أخذت القرار بأن أدون ما حدث لكي تشهد البشرية تلك الواقعة.. وبدأت أكتب أن قصتنا أيها السادة تبدأ كالآتي: ................ ............ ..... **************