الاعتراف بالخطأ حق مشروع ويحق لي القول بأنني أخطأت في ثلاث نقاط عند حديثي عن ثورة 25 يناير ودور جماعة الإخوان المسلمين فيها. النقطة الأولى هي قولي بأن الإخوان هم من أطلقوا المساجين في 29 يناير عملا بنظرية نشر الفوضى وهو ما يمثل ضغطا على النظام الحاكم ويجعله فاقدا لأعصابه فلا يحسن التصرف، ولكني أعتقد الآن أن الجماعة ليست بهذه السذاجة لأنها كانت تعلم أنها ستخسر كثيرا من وراء الفوضى التي تؤدي إلى خسارتهم للشارع فالشعب سيدافع عن نفسه وأرضه وعرضه وبالتالي سيلزم الكثيرون المنازل فينقلب السحر على الساحر فيجد الإخوان أنفسهم وحيدين في الميدان وهذا لم يكن في صالحهم ولكن في مصلحة النظام. تجدر الإشارة هنا إلى أنه وبعد حالة الانفلات الأمني الشديدة فإن بعض أهالي المساجين تجمعوا لتهريبهم وهو أمر طبيعي ويقبله العقل، كما أنني لا أستبعد أن تكون الجماعة انتهجت نفس الطريق لتهريب أعضائها المسجونين وربما أيضا أعضاء حركة حماس وحزب الله، ولكن الإخوان لم يبدأوا ولم يخططوا لهذا بل وجدوا أنفسهم أمام أمر واقع ربما توقعوه في البداية ولكنهم استفادوا منه لاحقا. إذن فتهريب المساجين كان أمرا متشابكا شارك فيه الكثيرون سواء سياسيون أو أهالي، وأكبر المستفيدين من ذلك كان النظام وعليه فإنه من خطط ونفذ. النقطة الثانية هي حرق أقسام الشرطة وأعتقد أيضا أنها قضية متشابكة شارك فيها الإخوان والمقهورون وكل من له "ثأر"، فهذه الخطوة لم تكن مدبرة وإن كانت كذلك فالإخوان هم المستفيد الأكبر، وأعتقد أن القسم الأول الذي تم إحراقه هو قسم الأربعين بالسويس ومن المؤكد أنه كان نتيجة "طبيعية" للغضب الشعبي العارم. النقطة الثالثة والأهم هي أنني قلت أن الإخوان هم من أرسل البلطجية إلى ميدان التحرير في "موقعة الجمل" وتصورت ذلك لأن هذه الخطوة لم تكن لتأتي من النظام لأنه الخاسر الأكبر منها بعد تعاطف البعض مع خطاب مبارك ولكن هناك تصور آخر قد يقودنا إلى تفسير نقطة تمثل جل الخلاف في الوقت الحالي. هناك تصور وحيد يتفق مع العقل إذا ما فكرنا بأن النظام هو من أرسل البلطجية وهو أن مبارك لم يكن على علم بتلك الخطوة وأن أحد رجاله فعلها دون علمه خوفا على رقبته. يمكن القول بأن أحد رؤوس النظام وجد أن أحمد عز وجرانة والمغربي تمت التضحية بهم لامتصاص غضب الشارع والقضاء على الثورة، وتوقع أن الدور سيصيبه ورأى أن بعض الناس تعاطف مع مبارك ففكر في احتمالين. الاحتمال الأول هو انشقاق الشارع ونجاح خطة مبارك وبالتالي سيكون هذا الرجل حتما كبش فداء وسيصيبه الدور لا محالة، خاصة إذا كان من رموز الفساد. الاحتمال الثاني هو نجاح الثورة ورحيل مبارك وبالتالي ستكون هناك فرصة أمام هذا الرجل لترتيب الأوراق وحرق المستندات التي تدينه وقد ينجو. ولذلك قرر هذا المسئول تدعيم الاحتمال الثاني وإرسال البلطجية، ليس من أجل مبارك ولا من أجل الثورة ولكن من أجل رقبته. كما فكر هذا الرجل بأنه إذا ما نجح البلطجية في تفريق المتظاهرين - وهذا مستبعد - ونجا مبارك فيمكن له الاعتراف بأنه من خطط ننفذ وأنقذ الرئيس وبالتالي سينجو أيضا. عند البحث عن هوية هذا المسئول، فإنه بالطبع ليس جمال مبارك لأن بقاء والده في السلطة يعني بقائه، وبالطبع أيضا هو من رؤوس الفساد وهم كثر فلن نستطيع تحديد هويته، حتى وإن كانت بعض الصحف رجحت أنه صفوت الشريف ولكن هناك الكثيرين كانوا مرشحين للتضحية بهم ككباش فداء. تقودنا نظرية "أنا وبعد مني الطوفان" إلى تفسير موقف القوات المسلحة التي نزلت إلى الشارع بعد "هزيمة" الشرطة ولم تستخدم العنف مع المتظاهرين ولكنها أيضا وقفت على الحياد تماما عند هجوم البلطجية وانتظرن الفائز في المعركة. أولا: الجيش هو مؤسسة قائمة على مبدأ "الطاعة" وأي خلل يصيب هذا المبدأ سيعرض الجميع "بلا استثناء" للموت. ثانيا: الجيش ثلاث فئات، القادة الكبار وهم من أتباع مبارك فهو من عينهم، والقادة الصغار وهم من أبناء الطبقة المتوسطة، والجنود والعديد منهم من الفقراء. كان هناك رأيان في الجيش الأول: إذا ما أصدر الجيش قرارا باستخدام القوة مع المتظاهرين فمن الطبيعي أن الكثير من القادة الصغار "أبناء الطبقة المتوسطة" سيرفض تنفيذ القرار ويحدث الانقسام وسيكون أكثر الضباط والجنود مع الشعب وهنا يمكن لأي قائد أن يتزعم انقلاب عسكري، فيكون القادة الكبار اللذين أصدروا التعليمات في خطر، ناهيك عن المتربصين من الخارج واللذين إذا اقتربوا من مصر تحت مسمى "حفظ السلام" فإن الجميع سيضيع. ولعلك تلقي نظرة على ما يحدث حاليا في ليبيا الثاني: عدم استخدام القوة وهنا سيصبح الجنرالات في أمان بل وسيحبهم الشعب وينصاع لأوامرهم، ولا مانع من الوقوف إلى جانب مبارك ومنحه الفرصة كاملة لترتيب أوراقه وإنقاذ نفسه بل ومساعدته أيضا، فإذا ما نجح "خير وبركة" وإذا فشل فهم في أمان 100%. ولذلك قرر كبار قادة الجيش الوقوف على الحياد وأصبح المشهد كالآتي: جيش يراقب، ونظام يحاول التفاوض مع الإخوان والمعارضة، وشعب متحمس وغاضب. الجميع (خصوصا اللاعب الأكبر وهم الإخوان) يرفض التفاوض قبل رحيل مبارك وهنا انضم الجيش إلى المتفاوضين وأقنع مبارك بالتنحي مقابل الحفاظ على رقبته وأمواله هو وعائلته كاملة، ولذلك تأخر الجيش في إصدار قراره بطلب تجميد أرصدة مبارك في الخارج حتى يتسنى للأخير تحويلها وتأمينها، والله أعلم. مصر إلى أين؟ تقول الحكمة أن أسدا وذئب وثعلب تجمعوا للصيد فكانت الحصيلة غزال وخروف ونعجة، فقال الأسد للذئب كيف ترى القسمة؟ فقال الغزال لك والخروف لي والنعجة للثعلب فاستشاط الأسد غضباً وقتل الذئب، ثم توجه للثعلب وسأله كيف ترى القسمة؟ فقال الغزال لإفطارك والخروف لغدائك والنعجة لعشائك، فقال له الأسد من أين لك بهذه الحكمة" فأجابه "من رأس الذئب". هل فهمت؟ يوجد الآن في الساحة المصرية ثلاثة لاعبون: 1- جيش وهو القوة 2- الإخوان المسلمون هم أكبر المستفيدين من الثورة حتى الآن "فك الحظر وحزب سياسي وتعديلات دستورية وأرضية صلبة هي الطرف الثالث 3- شعب مقهور طيلة عمره لا يحتاج إلا لدعوة منظمة ليثور من جديد كل طرف من الثلاثة يرى نفسه صاحب السلطة والمسئول الشرعي عن الثورة والوصي عليها. الجيش وبرغم أن سلطته أصبحت دستورية وتنفيذية وأصبح حاكما فعليا للدولة بعد رحيل مبارك، ولكنه أكبر الخاسرين فالهم ثقيل خارجيا وداخليا. وسيأتي يوم سيسلم فيه الجيش السلطة إلى حكومة مدنية ولكنه حريص تماما على عدم التنازل عنها إلى الإخوان. الجماعة تريد السلطة ولكن في المستقبل، فالحصول عليها الآن مستحيل وستكون المرحلة المقبلة هي التوغل داخل كيان الدولة ومؤسساتها واكتساب حب الناس إلى أقصى درجة أملا في الجلوس على عرش مصر في انتخابات 2014. الشعب منقسم ما بين يميني مبتهج ويساري يخشى سيطرة الإخوان ووسطي يرى الانتظار هو الحل، وجموع غفيرة لا تحلم سوى بالحرية والعدالة والكرامة والأمان وهؤلاء هم أصحاب الثورة الحقيقيون ولكنه يفتقدون إلى قائد فمن السهل أن يقودهم الجيش أو الجماعة. أيها القارئ الجالس على كرسي أنيق تقرأ هذا المقال وتظن أننا نمثل شعب مصر، نحن لسنا إلى أشخاص قدر الله لنا ألا نقتاد غداءنا من صناديق القمامة، مصر ليست القاهرة، إنها أكبر من ذلك بكثير فلتنظر إلى الحفاة والجائعين والتائهين والضائعين في كل محافظات مصر في الصعيد وفي الدلتا وفي سيناء وفي النوبة فهؤلاء هم أبطال الثورة "حتى وإن لم يشاركوا فيها ولكنهم أكثر من عانى من قهر مبارك ورجاله) إنهم أصحاب الحقوق، نعم إنهم كسالى لم يسمح الخوف للكثير منهم بأن يثوروا ويتظاهروا ولكنهم قوة كبيرة انزل إليهم من برجك العاجي وقل لهم لقد رحل الطاغية فماذا تريدون؟ سيجيبوك بصمت رهيب لأنهم تائهون!! عندما كتبت عن مقارنة بين الثورتين المصرية والفرنسية ولم أستبعد أن تكون إسرائيل قد خططت شيئا من هذا، فأنا لم أقصد أنها كانت على يقين بأن كل هذا سيحدث بل فقط روجت وألقت عود الثقاب فاشتعلت النيران لأن الشعوب مقهورة ومستعدة لفعل أي شيء مقابل الحرية، وفي النهاية سواء اتفقنا أو لم نتفق فأنا فقط أردت أن أذكرك بهذا العدو الغاشم الذي نساه الجميع ليفكر كل في نفسه. ألا ترى ما يحدث في ليبيا؟ لماذا لا تسأل نفسك ماذا لو أن هذا جرى في مصر؟ هل وقتها كنت ستشك في أن هناك يد خفية تعبث؟ ستقول لي إن مبارك كان من أعوان إسرائيل في المنطقة وهذا حقيقي، وسأرد عليك بأن القذافي لم يكن عقبة في طريقهم!! هل وجود الطاغية القذافي على رأس "ليبيا مستقرة" كما كان الحال قبل شهرين أفضل بالنسبة لإسرائيل أم وجود حاكم عادل على رأس دولة منهارة كالتي نراها الآن حيث لا جيش ولا شرطة ولا مؤسسات فالجميع تفكك؟ بالنسبة للشعوب الحاكم العادل هو المطلوب وبالنسبة لإسرائيل الدولة المنهارة أفضل، فكيف يمكن أن تصل الشعوب إلى حاكم عادل بدون أن تنهار الدولة؟ مصر لم تنهار والحمد لله لأن هناك عقلاء سواء في الجيش أو الإخوان أو الشعب، ولكن كل ما أخشاه هو الغد. الصراع على السلطة هو ما أخشاه فجلوس الجيش على العرش منفردا معناه نظام ديكتاتوري، ووصول الإخوان إلى الحكم يذكرني بإيران وهذا الاحتمال وارد جدا إذا ما رجعنا إلى الثورة الإيرانية وتفاصيلها منذ بدايتها وكيف وصل الإمام الخوميني إلى العرش، أما وصول الشعب إلى الحكم فهو مستحيل لأنه يفتقد إلى قائد يتفق عليه الجميع. من منكم سيكون سعيداً إذا ما تفكك الجيش بين موال ومعارض وغدا ستكون هناك الكثير من الخلافات التي تسمح بالانشقاق، ناهيك عن أن أي يد خبيثة يمكن لها أن تشق الصفوف في هذه المرحلة. لن أقول رأيي الشخصي في هذه المسألة وأدعو الجميع إلى النقاش حول قضية هامة للغاية هي كيف يتم تنفيذ مطالب الثورة التي لم يتحقق منها سوى القليل ولكن في نفس الوقت نحمي مصر من الفتنة ونحافظ على وحدة الجيش وننأى بأنفسنا (مهما كانت خلافاتنا السياسية) عن الانشقاق؟ أعتذر لمن استفزه مقالي السابق عن الإخوان فهذ رأيي الشخصي وما زلت أحتفظ به حتى الآن، وأستوحيه من تاريخ الجماعة وإذا ما كانوا خيرا لمصر أدعو الله أن يوفقهم. وأعتذر أيضا لمن أساء الظن وتصور أنني من مؤيدي نظام مبارك، والحقيقة أنني لم أؤيده أبدا والحقيقة الأخرى أنه ما يزال قائما فقط سقطت أجنحته، ولكن من الخطأ أن يسقط شيء آخر سوى المفسدين. انظر إلى ليبيا لتعرف أن وحدة الجيش أهم لنا من إسقاط جنرالاته ومنهم الفريق أحمد شفيق رئيس الحكومة، فمطالب الثورة الآن ليست تغيير وجوه وإنما محاسبة فاسدين وسيادة القانون والعدالة والدفع بعجلة مصر إلى الأمام وليس تفكيكها فتتعطل ويسقط ركابها جميعا الغني والفقير والمسلم والمسيحي والسجان والمسجون.