كشفت المعطيات أن قضايا هروب الفتيات أقل من 20 عاما باللملكة العربية السعودية، بلغت 19.5 في المائة، كما أن الدوافع من ناحية الرغبة في الهروب بالنسبة للفئة العمرية من 20 عاما فأقل بلغت 33.3 في المائة، و28.7 في المائة للظلم والقهر، 26.3 في المائة للجهل، و24.1 في المائة للتغلب على الفراغ والملل، والإكراه 23 في المائة، والانفعال 19،5 في المائة، وأن أكثر مدينة سجلت أعلى نسب الهروب والجريمة مكةالمكرمة تليها الرياض ثم جدة، وعزت الدراسة ذلك إلى الكثافة السكانية في تلك المدن. فوفقا لما ذكره عبد الله السهلي عضو هيئة حقوق الإنسان في مكةالمكرمة أن أعداد الهاربات من منازلهن ما بين 850 و3000 حالة سنويا، وفيما كانت دور الحماية وحقوق الإنسان تستقبل حالة واحدة في الشهر، أصبحت تستقبل عشرات الحالات، ما يعكس تزايد أعداد الفتيات الهاربات في الآونة الأخيرة. وبغض النظر عن الإحصائيات، يظل هروب الفتاة من منزل الأسرة بكل ما ينطوي عليه ذلك من أخطار وضياع، ظاهرة تدق ناقوس الخطر عاليا في المجتمع، وليطرح السؤال نفسه بقوة عن الدوافع الحقيقية التي تقف وراء تصاعد نسب الهاربات في أوساط مجتمع محافظ على القيم والتقاليد، والأسباب التي تدفع ببعض الفتيات لترك أسرهن، وما الدور الذي يمكن أن تضطلع به مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية والاجتماعية في التصدي للظاهرة. هناك المزيد من القصص والروايات داخل أقسام الشرط وهيئة التحقيق والادعاء العام والمحاكم ودور الحماية الاجتماعية ومؤسسات رعاية الفتيات، التي تشير في مجملها إلى أن العنف الأسري، وغياب لغة الحوار، والحرمان العاطفي، والتسلط الذكوري، والتفرقة في معاملة الأولاد عن البنات، قاسم مشترك في معظم حالات الهروب، إلى جانب عوامل أخرى تتمثل في التفكك الأسري والفقر. ضرب وعنف "عندما كنت في سن ال16، مكثت سبعة أعوام حبيسة غرفتي لما تعرضت له من ضرب وعنف ومهانة من والدي وإخوتي الكبار، حد حرماني من الدراسة، ولما لم أعد أحتمل المزيد من قسوتهم وظلمهم، قررت الهرب من منزل والدي، فاتجهت إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكةالمكرمة، ومنها إلى دار الحماية التي مكثت فيها ثلاثة أسابيع وجدت خلالها معاملة سيئة من مسؤولات الدار، ما دفعني للهروب مرة أخرى والسكن مع سيدة مسنة تعيش وحيدة في رباط خيري". هذه القصة بتفاصيلها المؤلمة التي ترويها فتاة من مكةالمكرمة رمزت لاسمها ب(ع. س)، لا تعكس حجم مشكلة هروب الفتيات، بل هناك عدد لا يستهان به من الفتيات الهاربات من جحيم العنف الأسري إلى "المجهول". حالة تحرش وفي حالة أخرى، بدأت معاناة فتاة في مكةالمكرمة عندما توفي والدها وقررت والدتها العيش مع أخيها الأكبر وزوجته، فوجدت السيطرة من خالها الذي ظل يضربها ويجبرها على خدمته وخدمة زوجته، حد التحرش من أحد أبنائه الكبار، ولما ضاقت بهم ذعرا، استعانت بصديقة أشارت عليها بالخروج من المدرسة والذهاب إلى دار الحماية بعيدا عن تسلط الخال وأبنائه وزوجته، أما والدتها فلم تستطع الكلام خوفا من طردها من المنزل. جحيم الأزواج وتروي (ب. ر) الهاربة من سجن زوجها المتسلط الذي أرغمت على الزواج منه، أنها عندما كانت في ال18 من عمرها أعطتها إحدى صديقاتها رقم شاب للتعرف عليه، حتى وثقت بالخروج معه على أمل أن يتزوجها مستقبلا، فكان أن رجعت لأهلها بجنين في أحشائها، بعد تخلي الشاب عنها، ولكن والدها لم ينتظر حتى تقع "الكارثة" في بيته، بل ذهب إلى الشاب واتفق معه على مبلغ معين من المال للزواج من ابنته تفاديا للفضيحة في مجتمع لا يتهاون في قضايا العرض والشرف والسمعة، وتم الزواج لكنها ندمت عليه، ذلك أن المكوث في بيت أهلها كان أهون عليها من المكوث في بيت زوجها الذي أذاقها ألوان الشتم والسباب والضرب والاحتقار، فقررت الهرب من بيت زوجها إلى حقوق الإنسان لمساعدتها في إيجاد مأوى، فبعثوا بها إلى دار الحماية. زيجات بالإكراه هناء (20 عاما) فتاة في جدة تركت والدتها وأخواتها، لتهرب مع شاب تعرفت عليه عبر منتديات الإنترنت، وغابت عن المنزل ما يقارب الأسبوعين قبل أن يتم القبض عليها وتسوية الأمر من الناحية الشرعية. وليلي (19 عاما) غادرت منزل أهلها هربا من قسوة والدها، فاستنجدت بأول شاب التقت به، ثم سلمت الفتاة نفسها للشرطة، بعدما أدركت فداحة الوضع الذي آلت إليه، إلا أن الشاب أبدى رغبته في الزواج منها أمام والدها، بعدما تم تأديبهما على الوجه الشرعي. وسناء فتاة تم تزويجها من رجل دون رضاها، فما كان منها إلا أن غافلت أهلها، وهربت من منزل أسرتها في مكةالمكرمة إلى جدة متنكرة في زي الرجال وتعرفت على سائق أجرة، وكان لحسن حظها على خلق ودين، فأخذها إلى بيته بين زوجته وبناته، واتصل بأخيها لاستلامها. هاربة في شاليه واعترفت سعاد (25 عاما) أمام المحكمة في جدة أن أباها منفصل عن أمها، وبالتالي افتقدت حنانهما وفي فترة معينة تعرفت على فتيات أخريات، فذهبت للسهر معهن، وبعد أن علم أبوها بأمرها، أراد أن يصحح الأمر، ولكنه زاد الطين بلة فقد أخذها للعيش مع زوجته التي أخذت تعنفها، وكان أبوها يضربها حسب دعواها، بعد ذلك قررت الهرب من بيت أبيها، حتى قبض عليها في أحد الشاليهات، وحكم عليها بالسجن ستة أشهر وأودعت مؤسسة رعاية الفتيات. متنكرة في زي شاب وفي القنفذة، سجلت ملفات الأجهزة الأمنية قصة هروب فتاة في سن ال33 من منزل زوجها، والإقامة مع أربعة رجال في جدة على أساس أنها شاب خليجي لشهرين دون أن ينكشف أمرها كونها كانت ترتدي الزى الرجالي، وكانت تقود السيارة وتؤدي الصلاة في المسجد وتخالط الرجال، قبل أن يتم كشفها وإيداعها السجن على ذمة قضية التغيب عن منزل زوجها وسرقة مبالغ منه وتشبهها بالرجال. منحنى خطير إلى ذلك، يصف الدكتور عبد الرحمن عبد الحميد السميري مدير الحقوق الخاصة في إمارة منطقة تبوك وباحث في علم الجريمة هروب الفتيات بأنه يشكل منحنى خطيرا يستوجب التصدي له، مرجعا أسبابه إلى غياب الحوار داخل الأسرة، ما يجعل الفتاة في حالة قلق نفسي وتفكير مشتت يدفعها لاتخاذ قرار سلبي لضعف الوازع الديني والرقابة الذاتية وعدم الثقة في النفس، بسبب العنف الأسري وكثرة المشاكل بين الأب والأم، ما ينتج عنه جو أسري مضطرب يدفع الفتاة للبحث عن مكان آمن يجعلها ذات شخصية متمردة أو مكبوتة تعاني الحرمان العاطفي والمادي، مشيرا إلى أن المجتمع الخارجي المحيط بالأسرة قد يسهم في انحراف الفتاة إلى ممارسات غير أخلاقية، مثل التعرف على أصدقاء سوء من خلال الهاتف والنت والقنوات الفضائية. ضغوط نفسية وعنف أسري ويعزو وكيل كلية التربية للدراسات العليا في جامعة طيبة في المدينةالمنورة الدكتور نايف بن محمد الحربي أسباب هروب الفتيات إلى الضغوط النفسية والعنف الأسري، ما يدفع الفتاة للبحث عن من يصرف عليها، وقد يكون العنف من خلال منع الأب الفتاة من الزواج بحكم وظيفة الفتاة والحصول على راتبها أو عدم تكافؤ النسب أو ارتفاع المستوى الاقتصادي للأسرة وتعدد زوجات الأب، في ظل انخفاض اقتصادي تعاني منه الأسرة، وعدم وجود القدرة على التربية والتعامل مع الأبناء، فيدفع الفتاة نحو الهروب للبحث عن مكان تجد فيه الاهتمام، كما أن التفكك الأسري أو وفاة أحد الزوجين أو سجنهما، يترك الحبل على الغارب لتتمكن الفتاة من الخروج ساعات طوال ولا ترصد أحيانا، فتظهر سلوكيات على الفتاة منها الهرب والممارسة مع شخص آخر كي يرضخ الأب لرغباتها ويزوجها بمن تريد.