احتفلت جريدة المصري اليوم مع المفكر جمال البنا بعيد ميلاده التسعين وأجرت حوارا معه في عدد اليوم فجر فيه العديد من المفاجآت والقضايا - كعادته دائما.. يبدأ الصحفي عماد سيد أحمد بوصف البنا بقوله: "لم أعرف إنسانا أكثر منه بساطة ولا عزيمة ولا تقشفاً، وفى عامه التسعين أنتهز هذه الفرصة لأقدمه كإنسان ومفكر تعمد البعض أن يحيطه بغبار كثيف حتى يمنع الناس من رؤية حقيقته كما هى دون تزييف أو تشويه أو مبالغة أو تهويل، واعتاد هؤلاء أن يشيعوا أنه خطر على الأمة، وهذا ليس صحيحا، فجمال البنا يؤمن بالإنسان كقيمة فى ذاته، ويعلى من شأن العقل والتفكير ويقدس حرية الفكر، ولا يسمح بأى قيد عليها كائناً ما كان، وله دراسة مهمة فى ذلك (الإسلام والعقلانية)، وبالرغم من اعتلاله وضعفه البدنى فإنه لم يتوان فى يوم من الأيام عن أداء رسالته ودوره، شأنه فى ذلك شأن أبيه وأخيه". وهذا بعض مما جاء في الحوار: ماذا عن البدايات الأولى والبيئة التى نشأت بها؟ النشأة كانت فى أسرة إسلامية اتسم أكبر شخصين فيها بالهمة العالية والإرادة القوية، وقامت هاتان الصفتان بما تقوم به الثروة والجاه، أو الشهادات فى الأسر الأخرى، ولهذا كانت الأسرة عصامية، فالوالد الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا كان الابن الأصغر فى أسرة من الفلاحين الذين يكدحون فى الأرض فى قرية شمشيرة، وكان أبوه وأخوه الأكبر يستصلحان الأرض البور، ولكنه أعفى من ذلك لأن أمه أرادت له أن يحفظ القرآن الكريم.. وكان يتبادل مع العلماء الأحاديث، عندما وقع على مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى، وهو أكبر موسوعة فى الحديث، وفيه قرابة ثلاثين ألف حديث، ولكنها مرتبة حسب المسانيد وليس حسب المواضيع ، فأمضى الشيخ 35 سنة كاملة منقطعًا لهذا العمل حتى أتم التصنيف طبقاً لأبواب الفقه ثم وضع شرحًا فى مثل حجم الكتاب فيه تخريج كل حديث وسنده وغريبه، إلخ، وكلما انتهى من باب أجمل أحكامه فى المذاهب الأربعة وغيرها، والأغرب من هذا أنه طبعه على حسابه، وهو الرجل الفقير، 22 جزءًا من 24 هى كل أجزاء الكتاب.. هذا مثل عن همة هذا الرجل الذى لم يظفر بالشهرة أو التقدير حتى الآن. والشخصية الثانية فى هذه الأسرة هى الابن الأكبر الشيخ حسن البنا الذى شب مهمومًا بالدعوة الإسلامية وما انتهى إليه حال العلماء من استكانة وسلبية، وحاول بكل قوة أن يدفع مجموعة منها للعمل. لماذا لم تنضم للإخوان المسلمين فى حياة الأستاذ حسن البنا؟ لأن اهتماماتى الفكرية والثقافية كانت أوروبية حديثة و"علمانية" كما يقولون، وأدت بى إلى نوع من العزوف عن الإخوان، وكانت لى تحفظات على فكرهم بالنسبة للمرأة أو حرية الفكر أو الفنون والآداب، وبحكم علاقتى الوثيقة مع الشقيق الأكبر فقد كنت فى بعض المناسبات أذكرها له، وكان يصغى إليها ولا يجيب. هل ترى الجماعة اليوم ملتزمة بخط الإمام البنا؟ كلا.. ولكن هناك أسبابا موضوعية لذلك، فالإخوان جزء من مصر وكانت مصر أيام حسن البنا هى مصر الليبرالية، وخط البنا يتفق مع الليبرالية الرسمية إلى حد ما، وقد ارتضى دستور 1923 واقترح أن تكون الانتخابات بالقائمة، ولم يكن معروفاً هوس النساء بالحجاب ولا الرجال بتربية اللحية، أما الإخوان الآن فبعد أكثر من خمسين سنة من الحكم العسكرى الذى قضى قضاءً مبرمًا على الليبرالية أصبحوا قطعة من مصر العسكرية، فضلاً عن عوامل دولية أخرى كحرب رمضان التى رفعت سعر برميل البترول من 3 دولارات إلى أربعين دولارًا وجعلت السعودية دولة غنية، فكونت رابطة العالم الإسلامى التى كانت تقوم ببناء المساجد وإرسال الأئمة والكتب للأقليات الإسلامية فى الدول الأوروبية وللدول الإسلامية الفقيرة، ومن ثم بدأ صعود المذهب الوهابى، ثم جاءت هجرات عشرات الألوف من المهنيين والعمال المصريين أيام السادات إلى السعودية والخليج، حيث أمضوا سنوات طويلة حققوا فيها ثروة ثم عادوا حاملين تقاليد هذه البلاد، أضف إلى هذا كله أن الصراع المرير بين الإخوان وعبدالناصر والاعتقالات الوبيلة والتعذيب الوحشى.. هذا المناخ سمح بظهور فكر سيد قطب.