يبدو أن اللغط الدائر حاليا حول تقديم الصحابة وآل البيت في أعمال فنية سيظل مثار جدل الكثيرين خلال الفترة الحالية وربما القادمة أيضا، خاصة بعد الانفتاح الذي أجرته قناة "ميلودي دراما" مع المنتجين في إيران لتوريد مسلسلات دينية عن الصحابة والرسل والتي كان آخرها مسلسل "يوسف الصديق" الذي أثار أزمة في مجمع البحوث الإسلامية حيث أوصى بوقف عرض المسلسل لتحريم ظهور الصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة في أعمال درامية، وهو ما يتعارض مع المذهب الشيعي الذي يرى إمكانية تجسيد شخصيات الأنبياء والرسل في الأعمال الفنية، شرط أن يُظهر الممثل الذي يجسّدها قيمتها الحقيقية بالتعظيم وعدم وجود ما يسيء إلى صورتها. ويبدو أن قناة "ميلودي دراما" لن تكرر عرض المسلسل الذي يحكي عن قصة حياة النبي يوسف، خوفا من قرارات الغلق التي تقوم بها إدارة النايل سات للقنوات الفضائية المخالفة، كما يبدو أن المسلسلات الإيرانية التي تُعرض على الفضائيات العربية وتتناول سيرة الصحابة والأنبياء ستظل تلاقي نسبة متابعة كبيرة من الجمهور العربي، رغم الفتاوى التي تحرّم مشاهدتها، والذي يعتبر مسلسل "يوسف الصديق" أبرزها حيث حظى بنسبة مشاهدة أكبر بعد عرضه على قناة "ميلودي"، مما يفتح الباب أمام قنوات أخرى لشراء حق عرض مسلسلات إيرانية مثل "مريم المقدسة"، و"الإمام علي"، و"إبراهيم الخليل" ودبلجتها إلى العربية وعرضها، ضاربة عرض الحائط بالفتاوى التي تحرم عرضها ومشاهدتها. مسلسل الفاروق عمر والجديد في الأزمة هو ما تردد مؤخرا من أخبار حول اتفاق اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري مع شركات سورية لإنتاج مسلسل حول سيرة ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب يحمل اسم"الفاروق" ويحكي عن حياته قبل الإسلام، وحياته بعد توليه حكم المسلمين عقب وفاة الخليفة أبو بكر الصديق، على أن يتضمن المسلسل تجسيد شخصيات الصحابة. والمسلسل من المقرر أن يقوم بإخراجه السوري حاتم علي، ويعكف حاليا على كتابته وليد يوسف، ورُشّح لأداء شخصية الفاروق عمر الممثل السوري تيم حسن، الذي سبق وحقق نجاحا كبيرا في مسلسل "الملك فاروق" منذ عامين. الأزهر يرفض بشدة ويبدو أن الأمر سيزداد اشتعالا خاصة مع رفض الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بصفة نهائية الطلب الذي تقدم به المهندس أسامة الشيخ إلى إدارة المجمع لإنتاج المسلسل مؤكدين أن موقفهم ثابت في موضوع تجسيد شخصيات الصحابة في الدراما، وأن هذا الموقف ليس لأئمة السنّة في مصر فحسب بل يُجمع عليه مجمع البحوث الإسلامية الذي أكد في جلسة ترأسها شيخ الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي، قبيل وفاته، عدم جواز تجسيد شخصيات الأنبياء والرسل وآل البيت والصحابة في الدراما، كذلك دار الإفتاء في مصر والسعودية والكويت، وهو ما عاد وأكده رئيس المجمع الجديد الدكتور أحمد الطيب. ومن جانبه وفي تصريح خاص ل "عيون ع الفن" أكد المهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون أنهم أعادوا تقديم الطلب إلى المجمع مرة أخرى، مشيرا إلى انه اتفق مع مؤلف المسلسل وليد يوسف على ألا يتضمن المسلسل ظهور الرسول أو أهل البيت والاكتفاء بظهور الصحابة وهو الشيء غير المُحرم حسب رأي بعض علماء الأزهر نفسه. وأضاف الشيخ: الغريب أن العالم من حولنا يتغير ويقدم أعمالا عن الرسل والصحابة وآل البيت، ونحن مازلنا نقف محلك سر، وفيلم مثل الرسالة ظل لسنوات ممنوعا من العرض رغم انه ليس به ما يضر ولا يجرح ومازال حتى الآن يحظى بنسبة مشاهدة عالية عند عرضه على أي من الفضائيات. وإزاء التناقض بين موقفي اتحاد الإذاعة والتيلفزيون الذي يرى أنه لا مانع من تقديم عمل عن أي صحابي بشرط عدم التعرض لأهل البيت والأزهر الذي يرفض ذلك رفضا باتا، فضّل المؤلف وليد يوسف الانتظار وعدم التحدث في الأمر حتى تنتهي الأزمة ولكي يكون قد انتهى من كتابة المسلسل الذي ربما يطلبه مجمع البحوث والأزهر لقراءته في حالة الموافقة عليه. ومن جهته وفي اتصال هاتفي مع "عيون ع الفن" أكد المخرج حاتم علي أن الجمهور يرغب في مشاهدة أعمال جادة عن الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسلامي، والدليل على ذلك أن فيلم "الرسالة" للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد ما زال يلاقي استحساناً كبيراً لدى عرضه على الفضائيات، وكذلك حظى مسلسل "يوسف الصديق" حسب ما قرأت في الصحف بنسبة مشاهدة عالية بين الجمهور العربي كله من المحيط إلى الخليج. ويضيف "علي" أنه لن ييأس حتى يقدم المسلسل الذي يحكي عن سيرة واحد من أعظم الحكام في العالم والذي عرف عنه الحق والعدل ولو على حساب نفسه، مشيرا إلى أنه سيمشي على خطى فيلم "الرسالة" الذي واجه عقبات كثيرة قبل الحصول على موافقة الأزهر على تنفيذه، من بينها عدم تجسيد شخصية الرسول وخلفائه الراشدين، وهذا أمر صعب في إنتاج فيلم عالمي، لأن الجمهور الغربي معتاد على وجود شخصية محوريّة، إلا أنها غابت في الفيلم بنسختيه العربية من بطولة عبد الله غيث في دور حمزة عم الرسول والإنجليزية من بطولة أنتوني كوين في الدور نفسه، كما لاقت نسخة الفيلم الإنجليزية مشاكل كثيرة أبرزها رأي العلماء عدم جواز غير المسلمين تجسيد أدوار الصحابة حمزة وبلال وعمار بن ياسر. أعمال قديمة يذكر أن الأزهر يرفض رفضا قاطعا ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة في أعمال فنية، مثلما حدث في فيلم "الرسالة" ومسرحية "الحسين ثائراً" من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي والتي تحايل مخرجها آنذاك كرم مطاوع على قرار المنع بزعمه أنه يقوم ببروفة جنرال"، ودعا المثقّفين لمشاهدتها، وأدى دور الحسين النجم عبد الله غيث الذي تمنّى أن تُعرض المسرحية حتى لو اضطره الأمر إلى اعتزال التمثيل بعد أداء هذا الدور، وهذا ما يتمناه نور الشريف أيضاً، إذ يسعى جاهداً إلى إعادة تقديم المسرحية نفسها لكن محاولاته باءت بالفشل بعد إصرار الأزهر على عدم موافقته نهائيا على تجسيد شخصية الحسين.