مع أن الوقت ما يزال مبكرا للغاية، للحكم على مسلسلات رمضان، فإن ما شاهدناه حتى الآن لا يبشر بخير، سواء على مستوى أداء الممثلين، أو النصوص المكتوبة، أو الإخراج! الجماعة وأضرب مثلا بمسلسل "الجماعة" الذي كتبه وحيد حامد، متناولا -كما يدّعي!- نشأة جماعة الإخوان المسلمين، وأهم أفكارهم، ومؤسسي مذهبهم، والملابسات التي اكتنفت مسيرتهم عبر التاريخ، فبعد أن ملأ وحيد حامد الدنيا صياحا عن حياديته المطلقة، والمراجع الضخمة التي استمد منها معلوماته، والموضوعية التي سوف يتناول بها الأحداث، بعيدا عن الهوى والميل الشخصي، فوجئنا أنه يتبنى وجهة نظر الجهات الأمنية في نظرتهم للإخوان، ويزوِّر أحداثا تاريخية كان جيلنا شاهدا عليها، أي أن العهد لم يتقادم بيننا وبينها للدرجة التي تسمح بالكذب فيها أو محاولة ليِّ عنقها، حتى لتصدُق مقولة أحد المعلقين على المسلسل على الفيس بوك: "يبدو أن الأستاذ وحيد حامد قد كتب المسلسل مع ورشة عمل من أمن الدولة"!! لذا يمكننا أن نقول -بضمير مطمئن- أن المسلسل -وفقا للنقاشات التي تدور على الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي- قد ساهم في تحسين صورة الإخوان المسلمين -عكس رغبة صانعيه!- والتأكيد على أنهم مضطهدون، سياسيا وأمنيا ودراميا كذلك! حتى إنني أعتقد أنهم لن يحتاجوا للرد بمسلسل مضاد -كما صرحت بعض جماعات الإخوان- فمسلسل "وحيد حامد" كفيل بالرد عنهم بنسبة مائتين بالمائة!! الحاجة زهرة! أما النقطة الثانية التي أثارت حفيظة أغلبية المشاهدين، ولم يتمكنوا من بلعها بأي شكل من الأشكال، منظر الفنان القدير حسن يوسف، في مسلسل "الحاجة زهرة"، وهو يتصابى ويغازل غادة عبد الرازق، وكأنه شاب مراهق، سال لعابه لمرأى "اللحم الأبيض"!! والمشكلة ليست في هذه الجزئية، فيبدو أن الدور مرسوم بهذه الطريقة، ولكن المصيبة الحقيقية أننا كلما رأينا حسن يوسف الوقور بلحيته البيضاء والتزامه، تذكرنا الشيخ الشعراوي، رحمه الله، وتذكرنا الدور الرائع الذي أدّاه يوسف، لدرجة أننا لم نعد نتذكر صورة الشيخ الشعراوي الحقيقية في كثير من الأحيان، ونتذكر بدلا منها صورة حسن يوسف، حتى إننا تصورنا أن الشيخ الشعراوي هو من كان يغازل غادة عبد الرازق في المسلسل!!! فكيف يقبل هذا الفنان الكبير أن ينزل إلى هذا المستوى؟ وما مبرره؟ وما القيمة التي أضافها لتاريخه بهذا الدور؟ وألا يعرف أنه بمثل هذا التصرف قد مسح "بأستيكة" كل الإبداع الذي قدّمه في الشيخ الشعراوي وغيره من المسلسلات الدينية؟ وأنني -وكثيرون غيري- لن نقتنع به بعد ذلك، سواء ممثلا في الأدوار الدينية أو غيرها من الأدوار؟!!! شيخ العرب همام وعند الفنانة صابرين نتوقف قليلا، في دورها الذي تجسّده في مسلسل "شيخ العرب همام" والذي تؤديه ببراعة تحسد عليها بلا شك، ولكن..الأزمة مرة أخرى في قضية الالتزام، ثم العودة مرة أخرى لسابق العهد، وكأن شيئا لم يكن، وكأن التصريحات التي يصدّعون بها رؤوسنا عن حلاوة التوبة وروعة الحجاب والنور الذي تجلى لهم بعد ظلمة، ما هي إلا هراء وبضاعة بائتة للاستهلاك المحلي فحسب!!! فقد ظهرت صابرين في المسلسل بباروكة تضعها على شعرها، وكأن هذا بديلٌ للحجاب، وكأنها هكذا، عملت ما عليها ويزيد!! على الرغم من طبيعة دورها، كزوجة لشيخ العرب الصعيدي المغوار، كانت تتيح لها أن ترتدي الحجاب ببساطة وتلقائية، ودون إخلال بطبيعة الدور، بل إنها كانت ستزيده حلاوة ووقارا! لكن مع احترامي لها ولفنها، فإنها بهذا قد رقصت على السلم، فلم تعد صابرين الملتزمة التي ذاقت حلاوة الطاعة والبعد عما يغضب الله، المتمسكة بحجابها وعفافها، وفي نفس الوقت لم تعد صابرين الفنانة "الشاملة" التي يمكنها أن تؤدي جميع الأدوار دون حرج، فقد حدث شرخ ما للصورة، شرخ كبير، ربما لا يمكن للأيام أن تعالجه بسهولة!! والانطباع العام، الذي خرجنا به من هذه الأمثلة الثلاثة العابرة، أن هناك من يصر إصرارا سمجًا ومتكررا على الاستخفاف بعقولنا، ومعاملتنا على أننا جمهور من الدرجة العاشرة، سوف نرضخ للدعاية والصوت العالي وأسماء النجوم الكبيرة والموسيقى التصويرية، ونسمع الكلام دون تعليق، ونشاهد بلا تعليق، ونبتلع ما يقدمونه لنا، ونقول "الله.. الله..أعد".. فهل نحن كذلك فعلا؟!ّ