لو بطلنا نحلم نموت ..ليست مجرد كلمات فى أغانى .. إنه الواقع الذى نحياه .. فلا جدوى من الحياة حين تتوه أحلامنا.. وتحاصرنا همومنا ....وتخنقنا منغصات الدنيا وتكبل أيدينا .. فنستسلم للأمر الواقع ولا نفكرفى الغد ، فنفقد القدرة على الحلم .. الحلم بغد مشرق .... الحلم بالنجاح والصعود.... الحلم بشريك الحياة والأبناء .... الحلم من أجل ابنائنا .. وبلادنا .. ولكن يبدو أننا فى هذه الأيام الاخيرة .. فقدنا القدرة على الحلم .. حتى الأحلام التى لا تكلفنا "درهما ولا دينارا".. .. صارت ثقيلة فباتت صدورنا ضيقة منها وكأننا نصّعد إلى السماء .. وليس هناك دليل أكبر من نسبة الإنتحار والتى ارتفع معدلها فى الآونة الأخيرة .. فقد كشف الإحصاءات الصادرة عن مركز المعلومات بمجلس الوزراء عن ارتفاع حالات الانتحار بين المصريين في عام 2008 إلى 4200 حالة بعدما كانت 1160 في عام 2005 وزادت إلى 3700 حالة عام 2007، أي أن العدد يزداد بمقدار ألف حالة سنويا، وهذا يعود إلى عدة اسباب منها البطالة والعنوسة والخيانة الزوجية وخسارة البورصة والفقر ، وتعددت وسائل الإنتحار وكان أبرزها الشنق أو القفز من طابق علوى. وشهد عام 2010 قضايا انتحار لفتت الإنتباه ودقت ناقوس الخطر وبدأت على كوبري قصر النيل بالقاهرة، الذى شهد حادثا مأساوياً أوائل شهر (يونيه) عندما شنق شاب "31 عاما" نفسه عن طريق ربط عنقه بحبل وعلق نفسه بسور كوبرى قصر النيل ليموت منتحرا .. وتبين من التحقيقات أنه فى نفس المكان الذى كان يلتقي فيه بمن يحبها ويرغب في الزواج منها لذا قرر الإنتحار بعد عجزه عن تدبير نفقات زواجه رغم أن التحريات أثبتت أنه متزوج، فهذا الشاب لم يفكر فى أى طموح غير زواجه من حبيبته.. ولو فكر بأن الحياة مليئة بطموحات وأحلام أخرى كالعمل والكسب وقهر الظروف وغير ذلك من الأمانى التى يمكن تحقيقها لما كان كوبرى قصر النيل هو الحل. ولبثنا أسابيع معدودة ثم فاجئتنا الصحف بانتحار أستاذة جامعية فى مدينة 6 أكتوبر بعد أن تعدت سن الاربعين ولم تحظ بنصيبها من الزواج فمرت بحالة نفسية سيئة ، وقامت بإلقاء نفسها من الطابق الثالث وعندما أنقذتها العناية الآلهية أصرت على موقفها !! فمزقت شرايينها ببقايا زجاجة مياه غازية حتى لفظت أنفاسها الاخيرة .. فهى لم تفكر إلا فى تأخر سن زواجها ولم تبال بأهمية الرسالة والدور الذى تقدمه لآلاف الطلاب الذين ينتظرونها يوميا فى فى قاعة المحاضرات والذين هم فى احتياج اليها .. فلو عرفت مدى احتياجهم لعلمها لاستمسكت بالحياة. وأصرت على إكمال رسالتها وإفنائها من أجلهم . ولم يمر شهر واحد حتى تظهر نتيجة الثانوية العامة "المنكوبة!!!" فينتحر طالب بالمنيا بسبب رسوبه في الإمتحانات بعد إعلان النتيجة، ويعلق نفسه في حبل ربطه في سقف المنزل ليشنق نفسه وينهى حياته إلى الأبد . ربما لم يفكر أن الثانوية ليست نهاية المطاف.. ربما لو حاول مرة أخرى لنجح ودخل كلية غير التى كانت فى خاطره ليتفوق فيها .. فلو بات يسعى من أجل تحقيق حلمه لما أزهق روحه.. ولا ننسى الرجل الذى خسر أكثر من 4 ملايين جنيه فى البورصة فقتل أولاده وزوجته ثم أقبل على الإنتحار لكنه نجا من المحاولة ليموت حسرة فى السجن .. وغيره وغيره .. وكل هذه الحالات تتناقض مع مفهوم الإيمان بالله الذى يعزز القدرة على البقاء ويعطى دفعة للتغلب على الهموم لأنها مهما كبرت فهناك شىء أكبر ومهما نغصتنا الهموم فالإيمان يجعلنا نتمسك بملاذ آخر فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. وفى إحدى حواراتى مع د.لطفى الشربينى إخصائى علم النفس وأستاذ بجامعة الأسكندرية أكد لى أن نسبة الانتحار فى الدول الغربية والإسكندنافية تبلغ 42 فى الألف أما فى الدول الإسلامية فبالرغم من تدنى مستوى المعيشة فى معظمها إلا أن نسبة الانتحار لا تتجاوز ال2 إلى ال4 فى الالف وهذا بفضل تعاليم الدين وآيات القرآن التى تحثنا على التوكل وتخبرنا أن الأرزاق مقسمة وكل شىء مكتوب " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".. فضلا عن التصريحات الصحفية للدكتور أحمد عكاشة اخصائى الطب النفسى الذى يقول "بالإيمان بالله وبقدر ما تحتويه النفس من تدين وثقافة يستطيع المرء أن يتحمل الصدمات التي تعتري الحياة" وبالطبع بعد الإيمان بالله هناك العلاج النفسى للكثير من الهموم التى تصيب الإنسان ولا يقدر عليها. ولكن للأسف هناك معلومات تؤكد أن ثقافة العلاج النفسى ما زالت غائبة فى مصر وكأنها وصمة عار فى حق الفرد .. مع العلم أن المنتحر يصل إلى حالة من الإضطراب النفسى فيستسلم للحظة التى يعيشها فلا يفكر فى الغد وتكبله أفكار اليوم فقط .. ..ولا أستطيع القاء اللوم على المنتحر أو تعنيفه.. لأننى لا أدرك مدى الحالة التى وصل إليها ( عافانا الله جميعا) .. ولكنه استسلم لآلامه وتراكمت همومه ليصل إلى حالة من اليأس وفقدان الأمل والتطلع إلى المستقبل ويظل يتجرع آلام الإنكسار دون البحث عن علاج للخروج من مشاكله فيتقوقع داخلها حتى يفنى حياته ويزهق روحه ..ويبدو أن المنتحر لا يعيش إلا لأمنية واحدة فلا تتعدد الأهداف والطموحات.. حتى إذا صعب الوصول إلى المراد بات طريق الإنتحار هو أقصر الطرق. مسك الختام .. كل منا وجد على هذه الارض لفترة معلومة للقيام بدور محدد ومن أجل السعى لتحقيق أحلامه .. هذه الأحلام هى التى تبقى دائما .. ونبقى نحن من أجلها .. لأننا لو بطلنا نحلم "ننتحر" !!!!