ارتباك شديد وتخبط كبير تعانى منه حكومة الانقلاب العسكرى الدموى اتضح جليا فى ثنايا التصريحات الأخيرة لمسئوليها ووزرائها واعترافاتهم التى وصلت إلى حد التناقض، لدرجة أننا لم نعد قادرين على التوصل إلى الحقيقة، هذه التصريحات تعكس أن كل وزارة تعمل بشكل منعزل عن الأخرى وتشير إلى أن هذه الحكومة الانقلابية لا تقوم بواجبها تجاه ما يواجه المواطنين من أزمات كثيرة جدًا.. وهى لا تعمل من الأساس إلا لمصلحة الانقلاب وقادته فقط. وتكشف تصريحات وزير الصناعة والتجارة فى حكومة الانقلاب منير فخرى عبد النور الأخيرة هذا الارتباك والتخبط فى أعمال حكومة الانقلاب؛ حيث أوضح أن الدولة تواجه أزمة اقتصادية طاحنة، وأنه كى نخرج من الأزمة لا بد من أن نتصارح "ونشد الحزام" من أجل هذه البلد التى أفلست فعلا. وقال عبد النور إن عجز الموازنة العامة يصل إلى 13.3% من إجمالى الدخل القومى إذ إن حجم المصروفات أكبر بكثير من حجم الواردات، حيث تراكمت الديون وأصبح الدين العام يساوى تقريبا 100% من الناتج القومى. ولم يمضِ على هذا الاعتراف 4 أيام حتى خرج علينا وزير الاستثمار بحكومة الانقلاب أسامة صالح بتصريحات مناقضة لها تماما وكأنه يتحدث عن بلد أخرى وأن "الحياة وردية" ولا توجد أية مشكلات تواجه الاقتصاد المصرى حيث قال "إن الاحتياطى النقدى المصرى فى مرحلة آمنة، ومصر فى الوقت الحالى فى حالة الاستعداد للانطلاق للأمام فى الاقتصاد، وجذب الاستثمار لم يتوقف عن مصر بعكس ما يشاع". وإذا رجعنا إلى التقرير الذى أعلنه البنك المركزى فى نوفمبر الماضى نجد أنه يكشف عن تراجع حجم احتياطى النقدى الأجنبى لديه بقيمة 119 مليون دولار، ليصل إلى 18.590 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضى، مقابل 18.709 مليار بنهاية سبتمبر السابق عليه. كما أشار تقرير صادر عن وزارة المالية فى حكومة الانقلاب إلى ارتفاع العجز الكلى للموازنة العامة للدولة خلال العام المالى الماضى 2012- 2013 ليصل إلى 239.9 مليار جنيه أى ما يعادل 13.8% من الناتج المحلى الإجمالى مقابل 166.7 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام السابق عليه. وأكد خبراء اقتصاد ل"الحرية والعدالة" أن الاقتصاد المصرى يسير إلى الأسوأ ويعانى من مشكلات كثيرة نظرا لتوقف المصانع وقلة الإنتاج وغياب البيئة المناسبة لعملية الاستثمار، مشيرين إلى أن هذه التصريحات تعكس التناقض الكبيرة فى التصريحات والارتباك الشديد الذى تعانى منه حكومة الانقلاب برئاسة حازم الببلاوى وأن حجم الاحتياطى النقدى قد تراجع ليصل لحوالى 17 مليار دولار. التناقض الواضح فى البداية يقول الدكتور عادل حمد –أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر- إن تصريحات وزيرى الاستثمار والصناعة التجارة فى حكومة الانقلاب العسكرى الدموى تمثل تناقضا واضحا وتبين أن حكومة الانقلاب لا تعمل من الأساس، وأن كل وزارة تعمل بشكل منعزل عن الوزارات الأخرى. ويضيف حمد: "أعتقد أن تصريح وزير الصناعة والتجارة الانقلابى بأن مصر أفلست فعلا أقرب للصواب وإن كان فيه نوع من المبالغة لأنه من الصعب أن تُفلس الدولة"، مشيرا إلى أنه يتفق مع وزير الصناعة فى أن مصر تتعرض لمشاكل اقتصادية كبيرة وحقيقية فى الوقت الحالى، لافتا إلى أن هناك عجز فى موازنة الدولة يصل إلى 240 مليار دولار أى أكثر من 13.4% من حجم الناتج القومى. وتابع حمد قائلا: "يقوم الاتحاد الأوروبى بإخراج الدولة التى تحقق أكثر من 4% فى عجز الموازنة من الاتحاد"، لافتا إلى أن الاقتصاد المصرى يتعرض لمشاكل كثيرة فهناك الكثير من المصانع التى توقفت، فضلا عن العملة الصعبة التى كانت تدخل لخزينة الدولة من جراء السياحة وغيرها من الأنشطة توقفت، بالإضافة إلى أن البيئة العامة للاستثمار غير مهيأة، إذ لا يتوافر الأمن والمناخ المناسب للعمل، إلى جانب البيروقراطية الموجودة حاليا وكل ذلك فى ظل الانقلاب على الشرعية. وينتقد –أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر- تصريحات وزير الاستثمار بأنه الاحتياطى النقدى المصرى آمن، قائلا "الاحتياطى النقدى المصرى غير آمن لعدة أسباب أهمها أنه يتناقص بشكل كبير شهريا، وذلك وفقا لتصريحات البنك المركزى المصرى، موضحا أن ذلك الاحتياطى فى الأساس هو عبارة عن ديون وليست إيرادات للدولة، حيث إن المليارات التى أودعتها السعودية والكويت والإمارات وهى الدول الداعم للانقلاب فى البنوك المصرية جزء منها منح أما الباقى فيدخل فى إطار الديون التى يجب على الدولة سدادها. ويوضح أن ذلك يمثل عبئا وخطورة شديدة على الاقتصاد المصرى لأنه فى هذه الحالة يعد ذلك الاحتياطى ظاهريا فقط وليس حقيقيا بمعنى الكلمة، مشيرا إلى أنه رقمى فقط وإذا أرادت تلك الدول استعادة أموالها مرة ثانية وفى أى وقت لن يكون لدى مصر احتياطى نقدى حقيقى. ويُفند حمد، تصريحات الوزير بأن جذب الاستثمار مستمرا ولم يتوقف، قائلًا: "لا يوجد استثمار بمعناه الحقيقى فى هذه الفترة حيث لا توجد الجهات التى يمكنها توجيه الاستثمار"، مؤكدا أن الدول الغربية قد صنفت مصر على أنها منطقة غير آمنة حاليا، منوها إلى أنه حتى المستثمرين العرب الذين يصرحون بأنهم سيقومون بالاستثمار داخل مصر ويقيمون المشروعات الواقع يكذبها حيث لا يحدث ذلك. ويؤكد "حمد"، أنه طالما لا تسوية سياسية فإن الاقتصاد المصرى سيستمر فى أدائه السيئ والسلبى باعتبار أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، مشيرا إلى أن الاقتصاد فى هذه المرحلة سيئ حيث هناك ارتفاع فى الأسعار وزادت نسبة البطالة إذ خرجت فئات كثيرة من سوق العمل، بمعنى أنه تزداد المشاكل وفقا لبيانات الجهاز المركزى للاحصاء والتعبئة وليس العكس. قلة الإنتاج من جانبه يرى الدكتور يوسف إبراهيم -أستاذ كلية الاقتصاد بجامعة الأزهر- أن الاقتصاد المصرى يذهب إلى أسوأ الأوضاع تحت الانقلاب العسكرى الدموى حيث يعانى من عدم الإنتاج؛ نظرا لإغلاق الكثير من المصانع والتى تسهم بشكل كبير فى تحسن أوضاع مصر، مؤكدا أن معادوة تشغيل هذه المصانع ثانية من شأنه أن يزيد من حجم السلع المطروحة فى الأسواق ومن ثَم تنخفض الأسعار، وأيضا يقل الاستيراد من الخارج. ويوضح إبراهيم أن مصر تعيش على بعض الصناعات والزراعات والتى كانت موجودة قبل الثورة، لكن لا يوجد إضافة حقيقية للاقتصاد كما لا يوجد رأسمال وهنا تقل الإنتاجية، مشيرا إلى أن الاضرابات والاعتصامات العمالية والتى آخرها فى شركة الحديد والصلب وشركات الغزل والنسيج تسهم أيضا فى زيادة الأزمة الاقتصادية وهذا يجعل المواطن يشعر بضائقة مالية. ويشير إلى أن تصريحات وزيرى الاستثمار والصناعة فى حكومة الانقلاب متضاربة، قائلا "لا أحد يعرف الحقيقة وزير الاستثمار ربما يخاطب رجال الأعمال غير المصريين، أما وزير الصناعة ربما يخاطب السعودية ودول الخليج لتقدم المزيد من المنح لمصر". ويضيف: "لقد انخفض الاحتياطى النقدى المصرى بمقدار مليار جنيه حيث وصل إلى 17 مليار جنية لكنه لم يصل إلى مرحلة الخطر بعد ، ففى عهد المجلس العسكرى وصل الاحتياطى إلى 13 مليار جنيه". ويؤكد أستاذ الاقتصاد أن تصريحات كلا الوزيرين غير منطقية لأن الاستثمار ليس فى أحسن حالة كما يدّعى وزير الاستثمار حيث لا يتقدم خطوة إلى الأمام ولا مصر أفلست كما يقول وزير الصناعة والتجارة، مشيرا إلى أن حالة الإفلاس تُستبعد عن أى دولة مهما زاد العجز فى موازنتها فهى إذا لم تجد ما تنفق فإنها تخضع لعملية القروض. ويتابع: "العجز فى الموازنة المصرية موجود منذ 20 عاما لكنه فى تزايد مضطرد؛ ففى عهد المخلوع مبارك وصل إلى 140 مليار وفى أيام المجلس العسكرى بلغ 170 مليارا، إلى أن وصل فى الوقت الحالى إلى 240 مليارا"، مشيرا إلى أن هذا لا يمثل إفلاسا طالما أن الدولة قادرة على شراء وارداتها وتوفير احتياجات مواطنيها حتى الآن وإن كان ذلك يتم بصعوبة.