لم يصدق قوم نبي الله نوح عليه السلام أن ما يصنعه في الصحراء ستكون سفينة، بل وطوق نجاة للمؤمنين عندما يتفجر الماء عيونا من الأرض وينهمر انهارا وبحارا من السماء، وفي الجزائر مرت سُحب الثورة مثقلة بأمطار الحرية فانهمر الماء كبداية لموجة ثانية من الربيع العربي، الذي حاصره كثيرا "الخريف الصهيوني" برعاية ودعم من السعودية والإمارات. هذه دددالمرة يبدو أن دروس الماضي حاضرة، وملامح الحاضر قاسية للغاية ، لذلك تذهب مؤشرات عدة إلى أن هذه الموجة ربما تتخذ أشكالا تتلافى الماضي ويمكن لها أن تطيح بعروش أفلتت في الموجة الأولى، بعد أن خرج الآلاف في بلد المليون شهيد، يهتفون "لا للعهدة الخامسة" و"نعم لرحيل النظام" ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة وسط توقعات واسعة بتصاعد مطالب مسيرات 22 فبراير.
وصلت الجزائر وبحسب مراقبين فإن التوقعات تشير إلى أن الملكيات ستكون المستهدف الأول في موجة الربيع العربي الثانية بعد أن نجت الأنظمة الملكية من الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي التي استهدفت الأنظمة العسكرية أساسا، في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا. ويرى مراقبون أن هناك مخاوف واسعة لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد من موجة جديدة من الربيع العربي ضد الطغاة العرب ، ولكنها وصلت الجزائر في طريقها يوما إلى قلب أبو ظبي والرياض وفق آراء رائجة. وفي هذا الإطار توقعت جريدة الشروق التونسية في افتتاحيتها بالتزامن مع حراك السترات الصفراء في فرنسا أن تشهد البلدان العربية موجة حراك واسعة قريبة مؤكدة أن معاناة المواطن الفرنسي الثائر مجرّد مزحة أمام ما يعانيه مواطنو المنطقة العربية من ظروف مادية صعبة ومن اكتواء بنيران الأسعار ومن انهيار لاقتصادياتها ولعملاتها الوطنية، ما يخلق بيئة مثالية للثورة وحواضن جاهزة للاشتعال. ويقف أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة في ذات المعسكر مؤكدا أنه يبدو أن الموجة الثانية من ثورات الربيع العربي قد انطلقت بالفعل مضيفا أنه "من الواضح أن الشعوب العربية لم ولن تستسلم للاستبداد والظلم الاجتماعي لكن نأمل أن تستفيد قوى التغيير من دروس الموجة الأولى". مصر.. مرة أخرى الإعلامي القطري جابر الحرمي يرى كذلك ملامح لموجة جديدة من الربيع العربي مؤكدا أن ثورات الربيع العربي لم تنته ولها عودة وقيامة في ظل أن الشعوب الحرة لا تستكين وبخاصة شعوبنا العربية التي إن قبلت وضعا غير سوي على مضض لفترة فإنها لن تقبل به ليكون هو الأصل وفق رأيه. وتشير دراسة بعنوان "ملوك لجميع الفصول: كيف اجتازت الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط عاصفة الربيع العربي"، كتبها الباحث جريجوري جوس، الى أن مصر من أبرز الجمهوريات العسكرية المرشحة للانفجار حيث تقول كذلك إنها تشهد احتقانا اجتماعيا غير مسبوق يهدد بالانفجار في أي لحظة، رغم المساعدات والأموال الضخمة التي منحها حكام الخليج للعسكر في مصر للتدخل ضد نتائج الانتخابات الرئاسية لسنة 2012. وهو الرأي الذي يعززه الكاتب السعودي تركي فيصل الرشيد، متوقعا أن الثورات العربية الثانية ستنطلق من مصر، مضيفا في تغريدة عبر حسابه بموقع التدوين المصغر "تويتر" أنه "لا يتوقع أن يطرأ على الاقتصاد المصري تغير جذري خلال الفترة القادمة، والغليان الشعبي في تزايد، ما يرشحها لتكون بداية المرحلة الثانية من الثورات العربية".