جاء اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ليفتح الباب مجددا للحديث عن جرائم الاختفاء القسري التي ترتكبها الأنظمة الديكتاتورية، سواء في مصر على أيدي نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي، ومرورا بالسعودية عبر سلطات محمد بن سلمان، وأيضا في الإمارات داخل سجونها التي أطلق عليها البعض «أبو غريب الخليج». ووفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، فإن قضية خاشقجي الذي فُقد أثره منذ الثلاثاء الماضي في إسطنبول، تهدد صورة الرياض الخارجية في عهد محمد بن سلمان، وستؤدي إلى تدهور أكبر في العلاقات التركية السعودية، بحسب خبراء. في مصر لا تزال جرائم الاختفاء القسري التي يرتكبها نظام الانقلاب مستمرة، ويتم تنفيذها يوميا في مختلف أنحاء الجمهورية ضد المواطنين الأبرياء الرافضين لسياسات العسكر. جرائم السيسي ومؤخرا قالت منظمة “كوميتي فور جستس” الحقوقية، إن التقرير السنوي الصادر عن الفريق الأممي المعني بحالات الاختفاء القسري وثّق استمرار جريمة الاختفاء القسري في مصر، وأنها تتم بشكل ممنهج بحق الناشطين والحقوقيين والعديد من المواطنين، فضلا عن عدم تعاون سلطات الانقلاب معها في الإجراءات بالتزامن مع تقليص مساحة المجتمع المدني، واستهداف النشطاء الحقوقيين الذين يعملون على توثيق تلك الجريمة. ووفق رصد وتوثيق فريق “كوميتي فور جستس”، في الفترة الزمنية من أغسطس 2017 إلى أغسطس 2018، فإن عدد حالات الاختفاء القسري الجديدة في مصر بلغ 1989 حالة، وعدد الحالات التي تم رصد ظهورها بعد الاختفاء القسري 1830 حالة، وعدد الحالات التي تم توثيقها 318 حالة، فيما بلغ عدد الشكاوى التي قُدمت إلى الآليات الدولية لمساعدة ضحايا الاختفاء القسري 141 شكوى، ولم يتم إحالة بلاغ واحد من مئات البلاغات المقدمة من الضحايا أو ممثليهم إلى التحقيق الجدّي. جمال خاشقجي أما فيما يتعلق بأزمة الاختفاء القسري للكاتب السعودي جمال خاشقجي، فإن مصدرًا مقربًا من الحكومة التركية كشف لوكالة فرانس برس، أمس السبت، عن أنّ الشرطة التركية تعتقد في استنتاجاتها الأوّلية، أنّ الصحفي قُتل في القنصليّة بأيدي فريق أتى خصيصًا إلى إسطنبول وغادر في اليوم نفسه. وقالت الوكالة إن ابن سلمان ينتهج سياسة القبضة الحديدية في الملفات الرئيسية في المملكة، وكان قد أثار جدلا كبيرا العام الماضي وتعرض لانتقادات في أكتوبر حين قدم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من الرياض ولم يغادرها لمدة أسبوعين، كما سُلطت الأضواء على سياسته هذه مرة أخرى عندما اعتقل عشرات الشخصيات السعودية من أمراء ورجال أعمال واحتجزهم في فندق “ريتز كارلتون”. وخاشقجي الذي يبلغ عامه الستين في 13 أكتوبر الجاري، هو أحد الصحفيين السعوديين القلائل الذين انتقدوا حملات توقيف طالت شخصيات ليبرالية وناشطات في سبيل حقوق المرأة. تيسير النجار أما في الإمارات فإن الوضع لا يختلف كثيرا عما يحدث في السعودية أو مصر، فنموذج الصحفي الأردني «تيسير النجار»، الذي يقبع منذ 13 ديسمبر2015 في سجن «الوثبة» الصحراوي الإماراتي خير دليل على ذلك، فعلى الرغم من كتابة النجار للكلمات الآتية «إذا أردت تغيير العالم، فاذهب إلى الإمارات، أحبها بصدق. السعادة والراحة والابتكار قررت أن تصنعها الإمارات»، إلا أنه لم ينج من بطش أولاد زايد. النجار الذي اعتقل في مطار أبو ظبي، وبلغت مدة احتجازه من دون محاكمة عامًا كاملًا، حوكم في بداية العام الماضي بالسجن ثلاث سنوات، وفرضت عليه غرامة قدرها 500 ألف درهم (136 ألف دولار)، والتهمة كما قالها القاضي في آخر جلسة أمام المحكمة هي «الإساءة لدولة الإمارات»، أما وسيلة هذه الإساءة فهي منشور على «فيسبوك» كتب عام 2014، وانتقد فيه النجار موقف الإمارات من العدوان الإسرائيلي على غزة. وكانت خمس منظمات حقوقية عربية قد طالبت في جنيف دولة الإمارات بالإفراج الفوري وغير المشروط عن معتقلي الرأي، ودعتها في بيان مشترك نهاية فبراير الماضي إلى الالتزام بالقيم الديمقراطية، وإعادة النظر في تعديلات القوانين المقيدة للحريات.