ما كنت أحسب أن الحقد والخلاف يعمي الأبصار، ويصم الآذان، ويطمس على القلوب إلى هذا الحد! فالدكتور علي جمعة رجل متخصص في أصول الفقه، وهذا العلم من مفاخر الحضارة الإسلامية، وهو علم يعلِّم الدارس المنهجية في البحث، والحيدة في الحكم، والنزاهة في البحث العلم، ثم إنه تخرج من كلية التجارة جامعة عين شمس قبل أن يتحول لطلب العلم الشرعي، وهذا كان من المنتظر أن يوسع مداركه مع المخالف ولا يخرجه عن قواعد البحث العلمي النزيه. ولا يمكننا أن نعذر الرجل بالجهل كما يحدث من بعض المتخصصين في العلم الشرعي الذين لم يغادروا كتب التراث قيد أنملة، ولم يتعلموا شيئا من الواقع حتى أني تناقشت مع أحد المتحاملين على الإخوان وهو مدرس للشريعة الإسلامية حاصل على الدكتوراه منذ خمسة عشر عاما، ولما سألت عن المراجع التي يستقي منه معلوماته فأخبرني الدكتور أنه يستمد معلوماته من جريدة اليوم السابع ومسلسل الجماعة!!. أقول لا يمكننا اتهامه أو عذره بالجهل فهو كان قريبا بشكل أو بآخر من الإخوان في صورة قادتهم أو في صورة كتبهم التي تملأ الدنيا. والإنسان يندهش أشد الدهشة عندما يجد وصف الإخوان بالخوارج، وأنهم خرجوا على إمام المسلمين، ومن خرج على إمام المسلمين الذي اختارته الأمة فعلى المسلمين ضرب عنقه. وهذا الكلام الذي قاله ينطبق على الانقلابيين وكل من وقف في صفهم وأعانهم بالكلام أو الفعل أو الصمت. فالذي حدث ببساطة شديدة أن مجموعة قليلة من الشعب خرجت على إمام منتخب انتخابا نزيها لم يسبق له مثيل في مصر في العصر الحديث، واختطفوه عنوة هو ومن معه، ثم ألغوا الدستور ومجلس الشورى، وهدموا كل شيء جميل، ثم سفكوا الدماء بغير حق، وحرقوا المساجد والمستشفيات بمن فيها، وأرهبوا الناس واعتقلوهم بغير جريمة، فلو كان عنده ذرة من إنصاف لأباح دم هؤلاء الانقلابيين ما لم يرجعوا ويتوبوا ويصلحوا إن كان ثمة إصلاح ممكن. لكن التعصب أعمى بصره وبصيرته، فإذا بالجاني هو المظلوم الذي يستحق المساندة، وإذا بالمظلوم هو الجاني الذي يستحق العقاب! فما علاقة الإخوان وما الصلة بينهم وبين الخوارج الذين خرجوا على إمام راشد منتخب وهو علي بن أبي طالب، ثم قتلوا النفوس المؤمنة بغير حق، ثم كفروا عليا رضي الله عنه وأباحوا دمه؟! فهل الإخوان خرجوا على إمام منتخب، بعد أن حكم كل المنصفين في الداخل والخارج من رجال الشريعة والإعلام والسياسة والقانون والفكر أن هذا انقلاب دموي غاشم؟! وهل قتَل الإخوان ومعهم شرفاء هذا الوطن من كافة التيارات السياسة والدينية أحدا أو أباحوا قتل أحد؟! لقد رأيناهم ورآهم العالم كله لا يصحبون إلا مصاحفهم في قلوبهم وجيوبهم، وأعطوا صورة حضارية للاعتصامات السلمية لم تحدث في أعتى الدول وأقدمها في الديمقراطية، فقد رأينا النساء يلدن في الميدان ولا يذهبن للمستشفيات ولا لبيوتهم، والزيجات تعقد وتزف من الميدان، وألعاب الأطفال وكعك العيد يصنع في الميدان، بل أصبح الميدان مكانا لكل النابغين من الفنانين والشعراء والمنشدين والساسة والمفكرين يأتون إليه في صالون أدبي وديني لم يعرف العالم له مثيلا. أي شبه بين الإخوان وشركائهم وبين الخوارج؟! اللهم إلا في الصلاة والذكر والدعاء والقيام والتهجد، وهذا ما أقلق اليهود وأذنابهم في الداخل والخارج. وإذا كان الثوار والمعتصمون لا يشبهون الخوارج لا فكرا ولا عقلا، ولا روحا ولا جسدا، ولا ظاهرا ولا باطنا، فإن الانقلابيين لا يشبهون علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لا فكرا ولا عقلا ولا روحا ولا جسدا، بل أعتبر ذلك سبا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشتما لهم لا يقبله مسلم. هل الانقلابيون الذي قتلوا أكثر من خمسة آلاف وجرحوا وأصابوا عشرات الآلاف، واعتقلوا عددا لا يعرفه على وجه التحديد إلا الله، يمكن تشبيههم بعلي بن أبي طالب وصحابته؟! إن علي بن أبي طالب عندما قال له أصحابه: ما نقول في أمر هؤلاء الناس - يقصدون الخوارج - أهم كفار؟ قال: من الكفر نجوا، قالوا: فمنافقون؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، قالوا: فما نقول فيهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا، لهم علينا ألا نمنعهم مساجد الله، ولا نقتل جريحهم ولا نتبع مدبرهم ولا نسبي نساءهم وذراريهم ولا نغنم أموالهم. ولما قتله عبد الرحمن بن ملجم قال لولديه الحسن والحسين (رضي الله عنهم) وهو في النزع الأخير على فراش الموت: أحسنوا إساره فإن عشت فأنا ولي دمي، وإن مت فرجل برجل، وإياكم والمثلة، فإن النبي نهى عن المثلة ولو بالكلب العقور، وإن تعفوا أقرب للتقوى. فأي شبه يا "مولانا" بين علي بن أبي طالب والانقلابيين؟ ولماذا لم نسمع لك صوتا بعد حرق الجثث وتفحمها وحرق المستشفيات والمساجد وقتل الراكع والساجد؟! ألم تسمع عنها؟ أم أنها حدثت بمباركة منك؟ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ألم تقرأ التاريخ يا "مولانا"؟ وتعلم أن الطغاة يستخدمون علماء السلطان ثم يتخلصون منهم إذا أخذوا ما يريدون؟ أما لك في البوطي وغيره عبرة؟ كيف ستقابل الله بهذه الدماء؟!!. ___________________ الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بماليزيا