"حينما تتوحد أهداف الاصلاح وتنمية ونهضة الوطن وينذر الغالي والنفيس من أجلها فإن الهم والشعور يكون مشترك"..معنى تجسد بقوة مع كل دمعة ذرفها رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، خلال لقاء له على إحدى الفضائيات التركية حينما استعرض البرنامج رسالة الدكتور محمد البتاجي، عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، إلى ابنته الشهيدة أسماء التي اغتالتها أيدي ميليشيات الانقلاب العسكري الدموي في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية. ترجم معدو البرنامج الرسالة الى اللغة التركية وتم عرضها خلال البرنامج، وطوال دقائق هي مدة عرض الرسالة المترجمة لم تتوقف أعين أردوغان عن البكاء الصادق، الذي تلاه حديث يكشف مدى صدق مشاعره وعمقها نحو أصحاب قضايا الإصلاح وتنمية الأوطان. أردوغان والبلتاجي لم تجمعهما لقاءات متعددة ولكن جمعهما شعور الأب الذي يفتقده أبنائه لكثرة انشغاله بالعمل العام والمجتمعي، فعقب انتهاء عرض رسالة البلتاجي للشهيدة أسماء سأله مقدم البرنامج لماذا كل تلك الدموع، فأجاب أردوغان بتلقائية: "في ليلة..قامت ابنتي بتعليق ملاحظة على باب غرفتي كتبت فيها ليكن لنا من وقتك ليلة، ولكن لم يكن لدي وقت كنت أعمل بشكل مكثف في موضوع ما وكنت أعود للمنزل منتصف الليل حينها يكون أولادي نيام". ويستطرد: "تذكرت أبنائي حينما رأيت الرسالة التي أُرسلت لأسماء من أبيها محمد البلتاجي..تخيلت أطفالي، وأيضاً عدم استطاعته الصلاة على ابنته في جنازتها وقوة البلتاجي على تحمل الألم ونظرته للمستقبل من أجل الآخرة وليس للدنيا، هذه المواقف جعلتني أتأثر بشكل كبير". "بالطبع الشهادة شيء لا مثيل له" .. قالها أردوغان بينما كانت دموعه تكابد حروفه وأكمل: "أسماء لم تستمتع بحياتها، وارتقت الى ربها شهيدة، واثق أن موقف أبيها من هذا الحدث سيكون درساً لدول العالم الإسلامي إن شاء الله، ودرساً لشبابنا أيضاً.. أنا الآن لا أتحدث كرئيس للوزراء وإنما أتحدث كمواطن عادي". وكان د.البلتاجي قد حيا ابنته وأستاذته، كما أسماها، الشهيدة أسماء البلتاجي، وقال: لا أقول وداعا بل أقول غدا نلتقي، عشت مرفوعة الرأس متمردة على الطغيان ورافضه لكل القيود وعاشقة للحرية بلا حدود وباحثة في صمت عن آفاق جديدة لإعادة بناء وبعث هذه الأمة من جديد لتتبوأ مكانتها الحضارية". وأضاف البلتاجي في رثائه لابنته الشهيدة: "لم تنشغل بشيء مما ينشغل به من هم في مثل سنك ورغم أنك كنت دائما الأولى في دراستك فما كانت الدراسة التقليدية تشبع تطلعاتك واهتماماتك، فلم أرتو من صحبتك في تلك الحياة القصيرة خاصة أن وقتي لم يتسع لأسعد وأستمتع بتلك الصحبة وفي آخر جلسة جلسناها سويا في ميدان رابعة عاتبتيني قائلة (حتى وانت معنا مشغول عنا) فقلت لكي (يبدو أن الحياة لن تتسع لنشبع من بعضنا أدعو الله أن يسعدنا بالصحبة في الجنة لنرتوي من بعضنا البعض)". وتابع : "رأيتك قبل استشهادك بيومين في المنام في ثياب زفاف وفي صورة من الجمال والبهاء لا مثيل لها في الدنيا حين رقدت الى جواري سألتك في صمت هل هذه الليلة موعد زفافك فأجبتيني (في الظهر وليس في المساء سيكون الموعد) حينما أخطرت باستشهادك ظهر الأربعاء فهمت ما عنيتي واستبشرت بقبول الله لشهادتك وزدتيني يقينا أننا على الحق وأن عدونا هو الباطل ذاته". وأكمل البلتاجي: "آلمني شديد الألم ألا أكون في وداعك الأخير وألا أكحل عيني بنظرة وداع أخيرة وألا أضع قبلة أخيرة على جبينك وألا أشرف بإمامة الصلاة عليك, والله يا حبيبتي ما منعني من ذلك خوف على أجل ولا خوف من سجن ظالم وإنما حرصا على استكمال الرسالة التي قدمت أنت روحك لأجلها وهي استكمال مسيرة الثورة حتى تنتصر وتحقق أهدافها". واستطرد: "ارتقت روحك وأنت مرفوعة الرأس (مقبلة غير مدبرة) صامدة مقاومة للطغاه المجرمين أصابتك رصاصات الغدر والندالة في صدرك, ما أروعها من همة وما أزكاها من نفس ,أثق أنك صدقتي الله فصدقك واختارك دوننا لشرف الشهادة"، وأختتم: "لا أقول وداعا بل أقول الى اللقاء.. لقاء قريب على الحوض مع النبي الحبيب وأصحابه، لقاء قريب في مقعد صدق عند مليك مقتدر، لقاء تتحقق فيه أمنيتنا في أن نرتوي من بعضنا ومن أحبابنا ريا لا ظمأ بعده".