تحل اليوم، 10 يونيو ذكرى يوم الصحفي المصري، وسط أجواء من القمع والانتهاكات غير المسبوقة لأصحاب القلم في مصر، في إطار تضييق على حريات المجتمع المصري كله، وعلى رأسها حرية التعبير. يوم الصحفي المصري، هو ذكرى انعقاد الجمعية العمومية الحاشدة والتي حضرها عدد كبير من الصحفيين، تنديدا بالقانون رقم 93 لسنة 1995 والذي عُرف بقانون "اغتيال الصحافة". وكان لهذه "الجمعية العمومية الطارئة" تأثير كبير وثقل ضمن الخطوات التصعيدية التي اتخذها الصحفيون لإسقاط القانون، حتى سحبته الحكومة وأجرت تعديلات على المواد السبعة موضع الاعتراض ليصدر بعدها القانون 96 لسنة 1996 والمعمول به حتى الآن لحين صدور قانون تنظيم الصحافة والإعلام. منع قانون مبارك ونجح الصحفيون في أثناء السلطات القمعية في عهد مبارك عن قانون "علاء مبارك" والذي كان الهدف منه تخويف الصحفيين ومنعهم من كشف فساد الكبار وأبنائهم. وبعد تلك السنوات يواجه الصحفيون الكثير من التحديات غير المسبوقة التي تهدد مهنة الصحافة وحياة وحرية العاملين فيها؛ حيث تسيطر سلطات الانقلاب العسكري على المشهد الإعلامي بشكل كامل بعد إغلاق مئات المنافذ الإعلامية، وشراء عشرات الفضائيات بأموال الشعب التي يسيطر عليها عساكر السيسي ومخابراته، من خلال إعادة ترتيب سوق الإعلام عبر عمليات ممنهجة لانتقال الملكية بتورُّط كبير للجهات الأمنية فيها. وتتزامن الذكرى السنوية لحملة سلطات الانقلاب الموسعة لحجب المواقع الصحفية والإعلامية التي تصل لأكثر من 980 صحيفة وموقع إلكتروني. بجانب سلسلة من ترسانة القوانين لتقنين هذا الحجب، بل ومحاكمة من يعبر عن رأيه بما يخالف السلطة، تحت شعارات رنانة ، منها، نشر أخبار كاذبة، وتهديد الدولة، وتأييد الجماعات الإرهابية…وهي تهم مطاطة يواجه نيرها كل قوى المجتمع. تلك التهم والانتهاكات تدعم بلا شك كافة أنواع الفساد والاستبداد، فكما كانت أيام مبارك "الصحافة أكبر تهديد للديمقراطية"، باتت "الصحافة تشجع على الإرهاب". وهي وسائل الفاشلين الذين لا يستطيعون مواجهة الكلمة بالكلمة فيعمدون لرصاصات العسكر وبرلمان المخابرات، لتغريم الصحفيين ملايين الجنيهات ومصادرة أموالهم، بل وفي أحيان كثيرة قتلهم. وبدأ قمع وانتهاك حرية الصحافة والإعلام مع أولى ساعات الانقلاب العسكري في 3 يوليو، باعتقال عشرات الصحفيين وغلق عدد من القنوات، وحل الأحزاب السياسية، وإغلاق ومصادرة العديد من الصحف. اقتحام النقابة وقمع الصحفيين وقبل عامين. جاء اقتحام مقر نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها في مايو 2016 بعد أزمة كبيرة نشبت بين النقابة ووزارة داخلية الانقلاب نجم عنها إحالة نقيب الصحفيين السابق وعضوين بمجلس النقابة للمحاكمة العاجلة. وحاليا ، يوجد عشرات الصحفيين المحبوسين، منهم غير أعضاء بالنقابة، و21 نقابيا، وفق المرصد المصري للصحافة والإعلام، أحدثهم رئيس تحرير موقع مصر العربية، الكاتب الصحفي عادل صبري، والذي أمرت نيابة الدقي مؤخرًا بتجديد حبسه في القضية 441لسنة 2018أمن دولة، بعد أن وجَّهت له أربعة اتهامات، هي نشر أخبار كاذبة، والتحريض على تعطيل أحكام الدستور، والانضمام لجماعة محظورة والتحريض على التظاهر. في هذا العام أيضا ارتفعت وتيرة محاكمات الصحفيين أمام القضاء الاستثنائي؛ إذ نظرت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ عدد ليس بقليل من القضايا بحق صحفيين، أبرزها القضية المعروفة إعلاميًا ب " مكملين2″، والقضية 441 لسنة 2018، والمعروفة إعلاميًا بالخلية الإعلامية لجماعة الإخوان. كما شهد هذا العام أيضا إصدار حكم نهائي بات بحق ثلاث صحفيين مصريين هم: عبد الله الفخراني وسامحي مصطفى (الصحفيين بشبكة رصد الإخبارية) ومحمد العادلي المذيع بقناة أمجاد الفضائية، إذ أيدت محكمة النقض الحكم الصادر بحقهم من محكمة جنايات الجيزة بالسجن المُشدَّد 5 سنوات وذلك بعدما قضوا 5 سنوات رهن الحبس الاحتياطي على ذمة القضية. الحبس الاحتياطي عقوبة ومن جانبها لم تتوقف النيابة العامة عن استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة في حد ذاته للتنكيل بالصحفيين، ويُعد استمرار حبس الصحفي هشام جعفر وحمدي مختار والمصوِّر الصحفي محمود أبو زيد الشهير ب" شوكان" أوضح مثال على ذلك. إذ يقضي شوكان حاليًا عامه الخامس من الحبس الاحتياطي على ذمة القضية المعروفة ب " فض رابعة،" رغم أنه يُعاني من مرض مُزمن"أنيميا البحر الأبيض المتوسط" ويحتاج لعناية طبية متواصلة فضلاً عما يواجه من تعنت غير مفهوم من السلطات المعنية بشأن تلقيه العلاج الملائم لحالته التي تزداد سوءًا.
قمع الآراء وبحسب مراقبين، فان المناخ المصادر لحرية الإعلام، يأتي استجابة لتكليف نائب عام الانقلاب في أبريل الماضي لرؤساء النيابات والمحامين العموم كُلٌ في دائرة اختصاصه بمتابعة ما يُنشر أو يُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة وإحالة أي مخالفة للتحقيق الجنائي، مستخدمًا مصطلح السيسي المكرر في وصف وسائل الإعلام المختلفة ب "قوى الشر" دون تحديد أو تعريف. هذا التكليف جاء في أعقاب كلمات السيسي في افتتاح مدينة العلمين الجديدة في الشهر نفسه، والذي أكد فيه أنه لن يسمح بانتقاد أجهزة الشرطة والجيش معتبرًا أن هذا الانتقاد بمثابة خيانة عظمى. ولعل هذا كله يفسر مصطلح"رُهاب الإعلام" الذي اختارته منظمة مراسلون بلا حدود -منظمة دولية مهتمة بحرية الصحافة مقرها فرنسا- لوصف الوضع في مصر في تقريرها بشأن التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2018 والذي عنونته ب "كراهية الصحافة تُهدِّد الديمقراطيات"؛ حيث أشارت المنظمة الفرنسية إلى أزمة تعميم الاتهامات بالإرهاب ضدّ الصحفيين وسجن غير الموالين منهم اعتباطيًا.يحل اليوم 10 مايو، يوم الصحفي المصري وسط أجواء من القمع والانتهاكات لأصحاب القلم في مصر، إثر تضييق على حريات المجتمع المصري ككل، وفي المقدمة منها حرية التعبير.